كتب سرمد الطائي: ها هو
الغرب المتقدم يقصفنا مرة أخرى. حسنا. إنه يقصف
داعش التي أريد أنا أيضا أن أتولى قصفها بنفسي، لكن هذه الأرض، والبلد ذاته، نفس الأشجار والأنهار، مكتوب عليها أن تسمع
القصف مراراً، دون التأكد من المآلات، كما حصل على الدوام مذ كنا أطفالاً.
صور
صواريخ التوماهوك التي يبثها البنتاغون وهي تدك التنظيم الأسود، لم تكن صورة صاروخ عادي. إنه صاروخ لم يصمم صانعه شكله ومداه وقوته فقط، بل صمم له صوتاً أيضا. المشهد بتقنية العصر الحديث، يخرج من نص توراتي أو من أسطورة قديمة لليونان أو البابليين، لتنين يصرخ بما يليق به، قبل أن ينطلق ليمزق الخصم. التوماهوك أيضا، صمموا له صراخا ودخانا يخرج من جانبيه، بما يليق به، يعول ويعول، وصوته يشبه أن تجر سريرا حديديا على بلاط المنزل، قبل أن يذهب نحو هدفه.
ها نحن نحاول التشاغل بتحليل الواقعة السياسية، على منضدة نظيفة، مقابل شاشات تنقل المعلومات من كل مكان. نحاول أن نحبس أنفاسنا داخل الغرفة ونتشاغل بسيناريوهات للانفراج، لا لأننا مؤمنين بأن الانفراج قادم، ولكن فقط من أجل ألا نحدق كثيراً حد اليأس المبرم، في صور الذابح والمذبوح.
ينتابني الهلع كلما تبخرت من رأسي فرضيات التسوية وقواعد الشطرنج وصياغات هذه النصوص الحذرة، ووجدت نفسي في خلوة مع مقاطع يوتيوب، حيث شباب من كل جنس، لديهم كميات هائلة من الرصاص، يطلقونها على عدو لا يقف بعيدا، فهو خلف جدار المنزل وحسب. الأمة صارت تحارب "من دار إلى دار"، فلم تعد هناك معارك في الصحاري أو بين الجبال أو على شاكلة "ذات الصواري". ها هي كل الأشياء تتصاغر وتصبح غير ذات قيمة.
المشهد لا يختلف من ريف دمشق والضلوعية وأحياء صنعاء ومدن ليبيا. الحيرة ذاتها. شباب ليس لديهم معارك كبيرة، فالحرب هذه الأيام سلسلة "عراك" من دار إلى دار، يختلط فيها الذابح بالمذبوح، حتى أن الغرب وهو يريد أن يقتل الذابح، يتعثر بالمذبوح نفسه، ولا يميز بينهما، حائراً حتى في الأسماء والمسميات.
نغرق في التصريحات وتأويل العبارات، لنحبس أنفسنا في غرفة نظيفة، ولنتهرب من ذلك الهلع الذي ينتابنا، ونحن نشم الدم العبيط، للصقلاوية والدجيل وحديثة، والشباب الذين يمتلكون رصاصا كثيرا، يطلقونه على شباب آخرين يقفون خلف جدار المنزل نفسه. إذ تنقسم العائلة الواحدة والزقاق الواحد.
وهناك في لقطات مجاورة، شباب لديهم كمية وافرة من السكاكين، وعدد كبير من الرهائن، فيما علينا أن نحدق كل يوم في عيون ضحية فرنسي أو أميركي أو بريطاني، أو لبناني من الجيش يصرخ بعجز ويستفهم: ماذا دهاكم كلكم؟ قبل أن يتحول إلى جثة هامدة.
وأثناء الإنصات مرارا لزعيق التوماهوك، يستمر النقاش حول صاحب الحق، والنقاش حول من اعتدى أولاً، والنقاش حول من أخطأ أكثر. الحكم صدر ويجري تنفيذه، بينما المحكمة غارقة في نقاش أبدي. هكذا أنظر في عيون الرهائن وهي تذبح، وفي عيون الذباحين المموهة، وعيون شباب الضلوعية وجرف الصخر، جيشاً وعشائر وسرايا..الخ. وأشعر أننا جميعا رقبة تحت سيف غامض عدمي. كلنا نحبس أنفاسنا ونشم الدم. ولا نفهم كثيرا في النقاش حول المحق والأحق، وتحديد البادي الأظلم والمدافع عن نفسه، لكننا نعرف جيدا كيف يزعق التوماهوك، وماذا يحاول أن يقول، كوحش أو ملاك حارس، قادم من أقدم الأساطير، فيتعثر كل لحظة بالذابح والمذبوح. إنه يبحث عن أصعب الأهداف، داخل أمة كلها تهرول، هاربة من سنجار، أو نازحة من كوباني، أو محاصرة في الضلوعية، أو مذبوحة كل مساء بمفخخات بغداد، أو خائفة في ليبيا ولبنان. ووسط هذه الأمة الراكضة، الذابحة والمذبوحة، الغائصة في العراك من غرفة إلى غرفة، كيف سأصدق أن في وسع زعيق التوماهوك أن يأتي بالغوث، حين يندثر العقل في كومة الجثث ويتفتت تحت أقدام المهرولين؟