استنكر أغلب السوريين والدول المتعاطفة معهم، تكهنات جون كيري بأن الولايات المتحدة ستضطر للتفاوض مع الأسد في النهاية، بشأن انتقال سياسي في
سوريا، وبأن واشنطن تبحث عن سبل الضغط عليه لقبول المحادثات.
ولو قرأنا بشكل موضوعي وبعيد عن العاطفة والانفعال تكهنات كيري نقول: تكهنات وليس تصريحات، لأنها لم تعلن بقرار رسمي من قبل الولايات المتحدة، بل جاءت مبنية على المعطيات الحقيقية التي يمتلكها كيري- فكيري أدرى بشعاب واشنطن وما تسعى إليه في المنطقة، وما كان قول كيري عبثياً، وإنما كان صادماً من حيث جرأته في ظل الأوضاع المأساوية التي تشهدها سوريا في السنوات الأخيرة.
وقد جاء رد واشنطن السريع بأنها ثابتة حيال الوضع في سوريا وأنها لا تؤيد التفاوض المباشر مع الأسد، أي إنها لم تنف رغبتها في التفاوض مع نظام الأسد، وإنما شذبت قول كيري مع إعادة التأكيد بشكل مبطن رفضها الإعلان عن استراتيجية واضحة تجاه الوضع في سوريا، ونعتقد بأن دورها القيادي لعمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، يحتم عليها الابتعاد قدر المستطاع عن أي استفزازات قد تثير حفيظة العديد من الدول المشاركة في التحالف، وقد تؤدي إلى انسحابها أو توقيف عمليتها، وهذا تحديداً ما تتجنب الولايات المتحدة فعله.
اتفق المجتمع الدولي على أن الحل في سوريا سياسي وليس عسكرياً، وقد وضح ذلك من خلال الدعوات المستمرة للحوار السوري –السوري، وتمويل المؤتمرات وتشجيعها، سواء في القاهرة أو موسكو أو قرطبة وغيرها.
من جهة أخرى تجنب دعم المعارضة المسلحة في سوريا بشكل يمكن أن يحقق فارقاً لصالح المقاومة الشعبية، خصوصاً ؛ بعد انهيار حركة حزم وجبهة جمال معروف، الفصائل التي تبنت أمريكا دعمها ومباركتها، ليتأكد لها بعد تفككها وانضمام أفرادها إلى فصائل مقاومة وطنية، صعوبة اختراق المقاومة الشعبية،على الرغم من تشرذمها ضمن مجموعات تابعة لقيادات، قد تختلف اتجاهاتها ولا تتفق في كثير من الأحيان في أساليب القتال وطرقه، ولكنها تتوحد في الأهداف والمقاصد والولاء للأرض السورية ومحاربة نظام الأسد.
يريدون الحل في سوريا أن يكون سياسياً، أي بالتفاوض بين الأسد والمعارضة وعليه يتحدد الدعم، ذلك ما كان واضحاً تماماً، منذ عقد جنيف 1و2 وهذا بالضبط ما تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقه، لهدف حشد الجهود ضد تنظيم الدولة، الذي يعتبر الخصم الأعند والأخطر على المصالح الغربية في سوريا.
ما زلنا نؤكد وعلى الرغم من التصريحات الأخيرة المائعة تجاه الموقف من وجود الأسد، بأن الغرب غير متمسك بشخص الأسد، وهو بشخصه فاقد للاحترام والشرعية الدولية، ولكن طبيعة التركيبة العقائدية التي أنشأت وكونت العصابات المسلحة التي تسير تحت إمرة الأسد، تفرض الوصول إلى حل سياسي لإزاحته عن الواجهة السياسية، أو الوصول إلى إيقاف للاقتتال بين عصاباته والمقاومة الشعبية السورية، مع المحافظة على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية المهمة؛ كالمؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخباراتية والمؤسسة، الأمنية وما تبقى من سيطرة على القوة الاقتصادية، بالدرجة الأولى.
وعليه تحدد أي تشكيلات قيادية للمرحلة القادمة، والمعارضة السياسية تدرك هذا تماماً، وهو ما يتضح من خلال تصريحات رئيس الائتلاف السوري المعارض" خالد خوجا " الذي أبدى تفهماً من خلال قبول الحوار غير المشروط مع نظام الأسد.
فالأسد اليوم في معركة وجود والصراع بالنسبة له صراع بقاء ولهذا تحديداً، يشهد العالم نمطاً من الهمجية غير مألوف لدى المجتمعات البشرية، حتى في أبشع أنواع الحروب التي شهدها العالم على مستوى التاريخ "دون مبالغة".
التفاوض مع الأسد مرفوض، ولكن حال الصراع اليوم يقول : إن أي تفاوض مع إيران التي تدير العمليات العسكرية ضد المقاومة، هو تفاوض مع الأسد، وأي تفاوض مع روسيا، الحليف الأعند لأمريكا، هو تفاوض مع الأسد، وأي تفاوض مع الدول الداعمة سياسياً لشرعية الأسد، هو كذلك تفاوض مع الأسد. أما الجديد الذي يراه كيري، بأنه من الأفضل التفاوض مع الأسد تحديداً، وذلك باعتبار سقف طموحات الأسد في المنطقة منخفضاً مقارنة مع الدولة التي ترعى وتدعم وجوده وخصوصاً إيران التي تسعى للضغط على المجتمع الدولي (فيما يتعلق بملفها النووي)، من خلال تحكمها بمناطق استراتيجية ومهمة مع تنظيم الدولة والحدود مع إسرائيل، ورفعها مع حزب الله عن قائمة الإرهاب الأمريكية هي أولى التنازلات الأمريكية التي لم تلق ترحيباً في الأوساط الشعبية ولا السياسية، لتزامنها مع تعالي الأصوات الشعبية الداعية لإدخال حزب الله والميليشيات الإيرانية التي تقتل ببشاعة الشعب السوري ضمن قوائم الإرهاب العالمية، وإيجاد حل لتدخلها السافر واجتياحها للأراضي السورية.
إذاً: يبدو أن كيري يدعو أمريكا والمجتمع الدولي اليوم، لاحتضان الأسد، ودعمه وخصوصاً؛ وأنه يرى بأن الأجواء داخل النظام في حالة تململ واستياء واضح، وصل لقيادات عسكرية سورية تابعة للنظام حول حجم التدخل الإيراني في القرار السوري وتبدل الأدوار من دور الحليف والداعم إلى صاحب القرار الآمر الحاكم، وهو الأمر الذي تسبب في تصفية النظام لقيادات سورية مخلصة لبشار الأسد ونظامه .
فهل يكون الأسد مفتاح السلام لسوريا، ومنطقة الشرق الأوسط؟!