ما معنى أن تكون لاجئا
سوريا في
باريس؟
سؤال طرحة الكاتب سام بول في تقرير نشرته مجلة "نيوستيتمان"البريطانية، ولاحق في التقرير قصة لاجئين سوريين وصلوا إلى باريس، وقال أحدهم: "لقد هربنا من الإرهاب ووجدناه هنا، وأشعر أنه يلاحقنا دائما".
ويشير التقرير إلى أن وليد العمري قد وصل إلى باريس قبل أقل من شهر، بعد أن هرب من المذبحة التي تعيشها بلاده، وقرر قطع رحلة محفوفة بالمخاطر، مثل عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا الغربية، وشعر أنه آمن أخيرا فيها.
ويستدرك بول بأن الهجمات التي قام بها مسلحون قبل 10 أيام، والعنف الذي جلبته معها، حيث قتل فيها 130 شخصا كانوا يستمتعون بالأكل والشرب والاستماع للموسيقى، ويتابعون مباراة كرة قدم أثارت مخاوف السوريين.
وتنقل المجلة عن العمري (57 عاما) قوله: "شعرت وكأن الإرهاب في كل مكان". وتابع وليد، الذي كان يدير شركة صغيرة ويعمل صحافيا: "لقد هربنا من الإرهاب ولاحقنا إلى هنا. وأشعر أنه دائما وراءنا يلاحقنا".
ويعلق التقرير بأن اللاجئين السوريين وجدوا أنفسهم، ليس من يعيشون منهم في باريس فقط، بل كل الذين وصلوا إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، في مواجهة عاصفة من الشك. وزادت مشاعر الشك عندما تم الكشف عن وصول اثنين من المهاجمين مع قوافل اللاجئين نحو أوروبا، ووصلا باريس عبر اليونان، وعثر على جواز سفر سوري إلى جانب واحدة من الجثث. ولم يتم التأكيد بعد فيما إن كان الرجلان سوريين أم لا. فكل من كشفت الشرطة عن هوياتهم من الذين تورطوا في الهجمات، كانوا إما من حملة الجنسية الفرنسية أو البلجيكية.
ويلفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أنها لن تستقبل مهاجرين سوريين. وفي أوروبا طالبت بولندا بإلغاء نظام الحصة، الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي لإعادة توطين المهاجرين. وطالب النواب في البرلمان الفرنسي والألماني ودول أخرى لوضع حد لأعداد اللاجئين السوريين.
وتورد المجلة نقلا عن صابرين الرساسي، التي تعمل في منظمة "ريفيفه" لمساعدة اللاجئين السوريين، قولها: "أتوقع الأسوأ". وقالت إن المكالمات انهمرت عليها من اللاجئين الخائفين بعد الهجمات.
وتضيف الرساسي: "سألوني إن كانت الدولة ستأخذ منهم الأوراق التي منحتها لهم عند وصولهم إلى فرنسا، وإن كان سيتم ترحيلهم إلى سوريا".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أنس فويز، الذي وصل إلى باريس في أيلول/ سبتمبر، قوله إنه شاهد بنفسه تداعيات سلبية على اللاجئين. وقال أنس وعمره 27 عاما، وكان يدرس التصميم في دمشق قبل هجرته إلى باريس: "سألني نادلا في حانة عن بلدي. وعندما قلت له إني من سوريا، فقال النادل إنك إرهابي، لأن العرب كلهم إرهابيون".
ويعلق بول بأن المفارقة هي أن التنظيم الإرهابي، الذي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات باريس ونظام بشار الأسد، هما المسؤولان عن العديد من الجرائم التي دفعت بوليد وأنس للهجرة.
ويقول أنس للمجلة: "كونك رجلا في سوريا، فليس أمامك إلا خيارالانضمام للجيش السوري، أو لتنظيم الدولة، أو جماعة متشددة أخرى، أو الهرب".
ويفيد التقرير بأن أنس يتذكر كيف شاهد أخبار الهجمات تتابع على شاشات التلفاز في الحانات والمقاهي، وفي منطقة الباستيل في باريس، قريبا من المنطقة التي شهدت المذبحة. مشيرا إلى أنه بسبب تعود أنس على مشاهدة الكثير من العنف والموت في مدينته دمشق، فإنه لم يشعر بالصدمة أو الخوف، ويقول: "لقد شعرت فقط بعدم الراحة؛ لأنني أعرف الوضع"، ويضيف: "فقط إسال نفسك، لماذا؟ لماذا يجب أن يموت هؤلاء الناس؟".
ويرى الكاتب أن المشكلة الأكبر التي تثير القلق هي قدرة المتطرفين في أوروبا على السفر إلى سوريا، والعودة عبر الطرق الطويلة مرة ثانية إلى أوروبا، كما فعل عدد من المشتبه بهم بتنفيذ هجمات باريس.
وتذكر المجلة أن أنس ووليد يتحدثان عن التساهل الأمني عندما دخلا أوروبا. ويقولان إن تركيا تسمح للمهاجر بالمرور عبر أراضيها بعد دفع 20 دولارا. وفي اليونان يطلبون منك تسجيل جنسيتك ولا يفحصون الجوازات، والوضع ذاته موجود في هنغاريا ومقدونيا.
ويستدرك التقرير بأنه رغم تجربته مع النادل، يقول أنس إنه فرح بالترحيب الذي لقيه من غالبية الفرنسيين.
ويعلق الكاتب بالقول: "في الحقيقة، فعندما يهدد العنف والخوف بتعميق التصدعات الدينية والاجتماعية، فقصة أنس مشجعة؛ لأنها حكاية عن الانقسامات التي تم جسرها". فعندما وصل إلى باريس كان ينام في الشوارع، قبل أن تمنحه سيدة من أصل مغربي، كانت تمر بجانبه مكانا للنوم في بيتها، ثم قضى وقتا مع منظمة مسيحية تقدم الملجأ للاجئين قبل أن ينتقل للعيش مع عائلة يهودية فرنسية، أوصلته إليها جمعية خيرية أخرى.
وتختم "نيوستيتمان" تقريرها بالإشارة إلى قول أنس إن مشكلته الكبرى هي أنه يفتقد والديه، اللذين يعيشان في دمشق، ويضيف: "أتحدث عبر الهاتف مع أمي مرتين في اليوم، وتسألني إن كنت مرتاحا وآمنا فهي قلقة علي".