نشر موقع "نيويورك ريفيو أوف بوكس" مقابلة مع الشاعر السوري المثير للجدل أحمد علي سعيد المعروف بأدونيس عن الشعر والدين والإسلام والثورة السورية، قال فيها إن شيئا لم يتغير في العالم العربي، بل كبرت المشكلة.
ويشير جوناثان غوير في المقابلة التي أجراها في العاصمة الفرنسية باريس، إلى أن
أدونيس المقيم في باريس، والذي اخترع قصيدة النثر العربية، ويطرح اسمه كثيرا كونه مرشحا لجائزة نوبل للآداب، أصبح شخصية مثيرة للجدل منذ عام 2011 في النقاش الدائر حول
سوريا.
ويقول الموقع إنه "مع بداية
الثورة السورية، انتظر المثقفون العرب ما سيقوله أدونيس، ليس لموقعه المتميز كونه شاعرا، وإنما لكونه علويا، أي من الطائفة التي ينتمي إليها رئيس النظام السوري بشار
الأسد، وفي حزيران/ يونيو من ذلك العام، كتب أدونيس خطابا مفتوحا للأسد، يدعوه فيه إلى التحول الديمقراطي، إلا أن خطابه جاء بعد أن كان نظام الأسد قد قتل أكثر من 1400 مدني، وانتقد الكثيرون خطابه ووصفوه بأنه لا يساوي شيئا وبأنه جاء متأخرا، وعبر أدونيس البالغ من العمر الآن 86 عاما عن أفكاره عبر عموده الذي يكتبه في صحيفة (الحياة) وكتابه الجديد (العنف في الإسلام)، الذي صدر باللغة الفرنسية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، أي في الوقت ذاته الذي تم فيه الهجوم على باريس.
وسأل الصحافي أدونيس عما يمكن أن يقوله للأسد الآن، وهو الذي كتب له خطابا في بداية الثورة، فأجاب ألا شيء تغير، "فالمشكلات أكبر، فكيف تتحالف 40 دولة ضد تنظيم الدولة لعامين دون أن تكون قادرة على عمل شيء"، وقال إن "لا شيء سيتغير حتى يكون هناك فصل بين الدين والدولة، ولو لم نميز بين ما هو ديني وسياسي أو ما هو ثقافي أو اجتماعي فلن يتغير شيء، وسيزيد تدهور العرب".
وأضاف أدونيس في المقابلة، التي ترجمتها "
عربي21": "لم يعد الدين حلا للمشكلات؛ لأنه سببها، ولهذا يجب فصله عن الدولة"، مؤكدا رفضه أن يكون الدين أساسا للمجتمع، ويقول أدونيس إن سوريا دمرت "لكن من أجل ماذا؟ وما هو المشروع؟"، مشيرا إلى أن "الثوري يجب عليه حماية البلد، فهو يقاتل النظام، لكنه يدافع عن المؤسسات، وقد سمعت أن سوق حلب قد دمر بالكامل، والثورة فيه لم تكن تشبه أي مكان، فكيف يدمرونه، حيث إن الثوري لا ينهب المتاحف، والثوري لا يقتل إنسانا لأنه مسيحي أو علوي أو درزي، ولا يقوم الثوري بترحيل السكان كلهم، كما حصل مع الأزيديين، أهذه ثورة؟ ولماذا يدعمها الغرب؟".
ويقول أدونيس عن نقاده في العالم العربي إنهم موظفون لدى الثوريين كي يقوموا بانتقاده، وعندما سأله غوير عن ماهية الثورة ومن يدعمها، أجاب قائلا: "إن شيئا لا يمكن قوله، فالكاتب لا يمكن أن يقف إلى جانب القتل، مستحيل، لكن بعض الأشخاص يحبون القتل والعنف، كيف يقف شاعر أو فنان على الجانب ذاته مع شخص يرتدي حزاما ناسفا يذهب إلى مدرسة ويفجر نفسه فيها؟"، وأضاف: "يا أخي لو كان النظام مستبدا فعليك قتاله، لكن لا تقاتل الأطفال والمدارس، كيف تقوم بقتلهم، لا تقتل الأطفال والمدارس، ولا تدمر البلد، لا تقتل الناس الأبرياء، قاتل النظام".
ويتابع الشاعر قائلا: "لم أر شيئا مثل هذا في التاريخ، أن تقوم بتدمير بلد، مثل اليمن، لإعادة رئيس معتوه"، لافتا إلى أن "هناك مثقفين يدعمون هذا، مثقفون".
وعندما سئل أدونيس إن كان يعني بكلامه الجهاديين، أجاب: "ليس الجهاديون؛ لأنهم جزء من الناس، ومن لا يريد هذا، فإن عليه إعلان رفضه علانية، فهل شاهدت شخصا يعلن هذا؟"، سواء كان دولة عربية أم حزبا سياسيا معروفا ضد ما يقوم به الجهاديون.
ويورد الموقع أن أدونيس يعتقد أن هناك نوعا من القبول لما يقوم به الجهاديون، ويقول: "الصبر هو نوع من القبول"، ويضيف: "لم تخرج ولا مظاهرة في أي دولة عربية ضد ما يحدث"، رغم أنهم يقتلون الناس ويسترقون النساء، ويبيعونهن في الأسواق، ويدمرون المتاحف.
وسأل غوير الشاعر عما يعنيه في كتابه "العنف في الإسلام" عندما قال إن تنظيم الدولة يعبر عن نهاية الإسلام، وهل هذا يعني بداية جديدة؟ رد أدونيس قائلا إنه ليس الوحيد في العالم من يقول هذا الكلام، وإن هناك الكثير من الأفراد في مصر ودول أخرى يقولون ما يقوله ذاته.
ويؤكد أدونيس أهمية الفرد الذي بيده بقاء الحياة، ويقول: "ولهذا السبب، فأنا لا أزال واثقا بأن الإنسان سيصل إلى مرحلة يستطيع من خلالها العثور على حلول أفضل، وكل ما أقوله أن العرب لن يتقدموا طالما ظلوا يعملون ويفكرون من داخل هذا السياق القديم، الجهادي والديني".
ويرى الشاعر أن تنظيم الدولة "هو الصرخة الأخيرة"، ويجد أن "النهضة" تحتاج إلى وقت، حيث يقول إن "مجتمعاتنا، وخلال خمسة عشر قرنا منذ بداية الإسلام لم تكن قادرة على إنشاء مجتمعات مواطنين، فمع المواطنة تأتي الحقوق وحتى الآن تقام المجتمعات العربية على أساس أفراد يقومون بالواجبات ذاتها وبحقوق مختلفة: فالمسيحيون لا يتمتعون بحقوق المسلمين ذاتها، 15 قرنا، فكيف يمكننا حل مشكلات 15 قرنا في أسبوع أو أسبوعين، شهر أو شهرين".
وتلفت المقابلة إلى أن أدونيس يرفض ثنائية الغرب- الشرق في الفن والأدب، مشيرا إلى أن أبا تمام هو مثل ويتمان، فكلاهما ينتمي إلى العالم الإبداعي، حيث إن الشرق والغرب هما ثنائية ذات دلالات عسكرية واقتصادية من تشكيل الاستعمار، أما في الفن فيرى أن رسوم ديلا كرو تأثرت بالمغرب، وكان الشاعر رامبو المولود في الغرب ابن الشرق في أشعاره.
ويعتقد أدونيس أن نجاح الغرب في إنشاء مؤسسات اجتماعية نتج بسبب التجربة التي أدت إلى فصل الدين عن الدولة تماما، حيث إنه قبل هذا كانت أوروبا تعيش الحروب الدينية، لافتا إلى أن العرب اليوم يعيشون في تلك المرحلة، ويقول: "إذا نجحت أوروبا في عملية الفصل، فإني لا أجد سببا يمنع العرب من فصل الاثنين أيضا"، ويضيف: "سنحقق هذا رغم كل شيء، ورغم الساسة الغربيين أيضا؛ لأن الغرب يستخدم هذه الأنظمة لتنفيذ خططه"، بحسب الموقع.
ويجيب أدونيس عن سؤال للصحافي عن كيفية تحقيق هذا الفصل، قائلا: "تحتاج إلى بداية وكفاح، ولا يمكنك تحقيق هذا وأنت جالس، عليك الكفاح والوقوف والقتال، أكتب وأسجن، وأتساءل لماذا السجون العربية ليست مليئة بالكتاب؛ لأنهم لا يقومون بوظيفتهم، ولا ينتقدون، ولا يتحدثون عن القضايا العميقة، القضايا الحقيقية للحياة، ولا يتحدثون عن الأزمات الحقيقية، لكن نقدي هو للكتاب وليس الدولة؛ لأنه يجب أن يكونوا في السجن بسبب قولهم الحقيقة، وهم خارج السجن؛ لأنهم لا يقولون الحقيقة".
ويؤكد أدونيس للموقع أن الكتابة تبدأ من خلال طرح أسئلة، والكشف عن مصدر الشر، ويقول إن "كتابة الشعر في ظل الحرب الأهلية لا تقارن مع القنبلة، حيث إن كتابة الشعر مثل صناعة الهواء والعطر مثل التنفس، ولا يقاس بالأشياء المادية، ولهذا السبب يكره الشاعر الحرب ولا يرتبط بها، لكن عندما تنتهي الحرب فإنه يمكن التفكير بالجثث والأنقاض والدمار والتدمير، وعندها يمكن له كتابة شيء".
ويختم "نيويورك ريفيو أوف بوكس" مقابلته بالإشارة إلى أن أدونيس يقول عن شعر تنظيم الدولة، وعن شعر أسامة بن لادن: "هذا ليس شعرا، ويجب ألا يعد شعرا، فالشعر هو ظاهرة اجتماعية، وعندما تكون الثقافة جزءا من الحياة اليومية، فإن كل واحد هو شاعر، وكل واحد هو روائي"، مستدركا بأن من بين كل هذا هناك شاعر أو روائي جيد، ويقول: "كل عربي هو شاعر، لكن نسبة 95% من هذا الشعر لا تساوي شيئا".