تربط قطاع السينما في الولايات المتحدة علاقة متينة بالجيش، فلطالما لجأ صانعو
الأفلام إلى القوات المسلحة لطلب نصائح أو حتى سفن وطائرات حربية. وفي المقابل، تستفيد السلطات الأمريكية من
هوليوود لإظهار مقاتليها وعناصر الأمن بصورة الأبطال المثاليين.
ويقول فيل ستروب المسؤول في الجيش عن العلاقات مع هوليوود لـ"أ ف ب": "يأتي إلينا السينمائيون الذين يريدون أن ينفذوا فيلما بميزانية معقولة، ليستفيدوا من رجالنا ومعداتنا".
ويضيف: "في المقابل، لدينا القدرة على أن نؤثر في الصورة التي يظهر فيها العسكريون". آخر هذه الأفلام "سولي" لكلينت إيستوود، وهو قيد العرض الآن في الصالات الأمريكية، وهو يروي قصة الهبوط الاضطراري لطائرة ركاب مدنية في نهر هادسون في نيويورك، وقد تلقى الفيلم مساعدة من وزارة الدفاع الأمريكية لإتمام تصوير بعض مشاهده.
وكذلك قدم الجيش مساعدة لفيلمين جديدين "كابيتن فيليبس" و"بريدج أوف سبايز" (جسر الجواسيس). وساهم الجيش بشكل كبير في "آيرون مان" و"ترانسفورمرز"، و"تومورو نيفر دايز" مع جيمس بوند، وأعمال كثيرة أخرى.
يروي فيل ستروب كيف تجري "المفاوضات" مع صناع السينما، ويقول: "في سيناريو غودزيلا مثلا، كان أحد أبطال الفيلم ضابطا شابا في البحرية، وكانت عائلته تواجه المتاعب لكن لا نعرف لماذا". لذا فقد اقترح ستروب على صناع الفيلم أن يكون الشاب أكثر إثارة للإعجاب، وأن يكون "ابن عائلة جيدة" مقابل أن ينفذ سلاح البحرية مشهدا كبيرا يصور عودته من إحدى المهمات.
في فيلم "بلاك هوك دوان" الذي يصور التدخل العسكري الأمريكي في مقديشو عام 1993، كانت مساعدة الجيش ضرورية أيضا، وكان ذلك مقابل "بعض التعديلات".
وتأمل السلطات الأميركية أن يكون الجنود وعناصر الشرطة في الأفلام أبطالا لا غبار عليهم. ويقول مايكل كورتان المتحدث باسم مكتب المباحث الفيدرالية (أف بي آي): "كثيرون لا يعرفون عن الشرطة سوى ما يرونه في الأفلام".
المخرج السينمائي وصاحب فيلم "الطريق إلى كابول"، محمد عزيزية، رأى أن ما تنتجه هوليوود في نهاية الأمر هو إعلام، ويبقى تحت سيطرة الدولة وينطق بلسانها، وأن من حق أي دولة أن تخدم نفسها دعائيا.
وأشار في حديث لـ"
عربي21" إلى أن الولايات المتحدة تصور نفسها عبر الأفلام الموجهة للمنطقة العربية، أو القارة الهندية، وأفريقيا، على أنها حارس السلام والقوة الخارقة.
وعن الواقع العربي، أشار عزيزية، إلى انفصام بين ما يعرض في السينما العربية وما يجري على الأرض، مستشهدا بالأفلام العربية التي تظهر الانتصار العربي في معارك خسرها العرب واقعا على الأرض، مرجعا ذلك إلى الحكام ذوي الخلفية العسكرية في بعض البلدان العربية.
ونوه إلى أن ثقافة المواطن العربي المتدنية نسبيا، وانتشار الأمية ساهم في ترويج كذب الإعلام العربي، إضافة إلى صعوبة وصول هذه الشريحة إلى مصادر الإعلام البديل على شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى أن العرب فشلوا في إنتاج أعمال تضاهي أفلام هوليوود التي تخدم الأجندة الأمريكية، ولا يستطيعون إيصال صوتهم، واتجهوا إلى الأفلام الدرامية، والرومانسية التي تخاطب مشاعر المراهقين، في غياب إيمان عربي رسمي بضرورة دعم الفن لخدمة المصلحة العربية.
وتعمل وكالة الاستخبارات الأميركية منذ العام 1996 على تحسين صورتها من خلال الأفلام، لتقدم نفسها على أنها وكالة تتمتع بمناقبية عالية ولا بد منها لحماية الولايات المتحدة، وأنها قلما ترتكب الأخطاء، بحسب تريسيا جنكينز الأستاذة في جامعة ميشيغن وصاحبة كتاب "السي آي إيه في هوليوود".
ومن أبرز الأفلام التي تجسد تعاون الاستخبارات مع هوليوود فيلم "آرغو" الذي نال جائزة أوسكار، وهو قلص أهمية الدور الكبير لكندا في عملية تحرير الرهائن الأمريكيين في إيران ليعطي المساحة الأكبر للاستخبارات الأمريكية.
لكن أعمالا أخرى أثارت جدلا كبيرا، مثل "هوملاند" الذي تلقى مساعدة وكالة الاستخبارات، إلا أنه واجه انتقادات بتبرير جرائم الحرب الأميركية وبالخلط بين المسلمين والإرهاب.
ومن الأفلام التي لاقت انتقادات فيلم "زيرو دارك ثيرتي" الذي يتحدث عن ملاحقة أسامة بن لادن، وهو نال مساعدة أيضا من وكالة الاستخبارات الأمريكية، لكنه تلقى انتقادات من لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لكونه المح إلى أن تعذيب موقوفين إسلاميين كان مفيدا لمعرفة مكان الزعيم السابق لتنظيم القاعدة.