"أم محمد" يبلغ عمر طفلها 8 سنوات، ولا تملك ما يكفي من المال لشراء خزان صغير للماء، فهي تعيش في مخيمات قرية الزوف على الحدود السورية التركية، ويتولى جيرانها بشكل يومي إيصال غالون واحد من المياه إليها، توزعه أم محمد على ما يلبي حاجتها، فتخصص 4 ليترات للشرب لها ولطفلها الصغير محمد، و8 ليترات تخصصها للطهي وتنظيف الأواني، والباقي تستعمله لحمام طفلها الصغير، أما هي فتستحم مرة واحدة في الأسبوع.
تقول "أم محمد" لـ"عربي21" إنها ترملت في عمر 28 عاما، حيث توفي زوجها في معركة جسر الشغور قبل عامين، وبعدها تنقلت عدة مرات، أول مرة إلى بيت أهلها، ثم إلى مخيمات أوبين في جبل التركمان، ثم إلى مخيمات الزوف، مشيرة إلى أنها تعلمت كيف تقتل العقرب والأفاعي الصغيرة، التي تداهم خيمتها طوال الشهرين الماضيين؛ بسبب ارتفاع درجة الحرارة.
بدورها، قالت أرملة المقاتل عمر الساحلي إن لديها ثلاثة أطفال، وهي تمكث في أحد المخيمات التي تديرها منظمة ذات طابع إسلامي، وإنها تعاني في المخيم، ولم يبق سواها من زوجات المقاتلين الذين قضوا نحبهم، وتبحث عمن يساعدها على الخروج من المخيم.
وتعيش الأرامل السوريات في إدلب السورية ظروفا صعبة للغاية، فنادرا ما تجد أرملة تعيش بشكل طبيعي أو في ظروف طبيعية؛ إذ إن غالبية الأرامل يعشن في مخيمات، أو ينتظرن المعونات بشكل مستمر؛ بسبب نظرة المجتمع إليهن، فلا يوجد سوق للعمل، ولا مساعدات دورية، إضافة إلى معاناتهن في الحصول على المياه، ما يتطلب الاختلاط بالرجال، خاصة إذا كانت تعيش الأرملة وحدها، كالسيدة أم محمد.
تقول أرملة المقاتل عمر الساحلي: "الأرامل والأيتام يجدون صعوبة كبيرة بالحصول على ما يحتاجونه في المخيم، والواسطة تسود، ومن لديه معارف هنا وهناك يحصل على الماء بكل يسر، أما الأرامل فيتوجب عليهن طلب الماء بشكل مباشر من إدارة المخيم".
ويرى ناشطون من إدلب أن مشكلة الحصول على المياه تطفو على السطح مع ارتفاع درجات الحرارة، التي وصلت مستويات قياسية تجاوزت عتبة 45 درجة، الأمر الذي يتطلب مزيدا من المياه لكل المدنيين، لكن عدم وجود معيل لأرامل الحرب يجبرهن على طلب المياه من السيارات المتنقلة من باب الصدقة، والعديد من النسوة في مخيمات الشريط الحدودي في منطقة الزوف لا يجدن أي مانع من الوقوف في على الطريق، وانتظار" الصهاريج"، والحصول على بضع عبوات بشكل مجاني.
أبو محمد المصري من ريف إدلب، لديه ابنة أرملة، يقول لـ"عربي21": "شاهدت العديد من النساء يخرجن من المخيمات حاملات لعبوات المياه الفارغة، ويضطررن للنزول إلى المحال التجارية"، مؤكدا أن هذا المشهد يدل على صعوبة الحياة على هؤلاء النسوة".
ووصل حد المعاناة إلى أن تنشر إحدى الأرامل على صفحتها الشخصية "فيسبوك"، "وينك يا قبر وينك"، فيما يؤكد أبناء إدلب أن هؤلاء النسوة يعشن في ظروف جدا سيئة تحتاج إلى حل فوري، على الرغم من زعم المنظمات أنها تقوم بدعمهن، إلا أن غالبية الأرامل لا يحصلن على الدعم المطلوب إلا في شهر رمضان، أما باقي الأشهر فتقضي النسوة أوقاتا عصيبة رفقة أطفالهن الصغار، ومن الآثار السلبية أيضا قيام هؤلاء الأرامل بإرسال الأطفال ممن وصل عمرهم إلى 14 عاما إلى الفصائل المسلحة، خصوصا المعتدلة، حيث يتقاضى كل مقاتل 100 دولار شهرية بدل أن يتوجه هؤلاء الأطفال إلى المدارس ويكملوا تعليمهم.