هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمحاضر في جامعة درم ومؤلف كتاب "في داخل حركة النهضة التونسية: بين السياسة والدعوة"، الأكاديمي روري مكارثي، يعلق على الانتخابات التونسية الأخيرة، قائلا إن أمل تونس في التحول الديمقراطي للمستقبل يواجه تحديا جديدا.
ويشير مكارثي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الناخبين في البلد أعلنوا عن تقريعهم الحاد للنخبة السياسية، ففي الجولة الأولى من الانتخابات، التي عقدت في 15 أيلول/ سبتمبر، كان أداء المرشحين الذين يمثلون المؤسسة ضعيفا، ومن بين هؤلاء مرشح حركة النهضة، الحزب الإسلامي المحافظ، الذي يسيطر على غالبية المقاعد في البرلمان، وكذلك حزب "تحيا تونس" بزعامة رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد.
ويلفت الكاتب إلى أن اثنين من خارج الطبقة السياسية فازا في الجولة الأولى وتأهلا للجولة الثانية، مشيرا إلى أن أحدهما محام في القانون الدستوري، قال إنه لم يصوت أبدا من قبل، أما الآخر فهو رجل أعمال وصاحب محطة تلفزيونية في السجن بسبب التهرب الضريبي وتبييض الأموال.
ويرى مكارثي أن "التصويت الأخير لا يعد فقط رفضا للحكومة الائتلافية الحالية، بل هو أيضا رفض للطريقة التي أدارت فيها النخبة السياسة المرحلة الانتقالية، ففي عام 2011 أطاح التونسيون بزين العابدين بن علي، الذي توفي في منفاه في السعودية يوم 19 أيلول/ سبتمبر، وأشعلت ثورتهم انتفاضات في أنحاء الشرق الأوسط كلها، وفي هذا العام أطاحت احتجاجات الشوارع بحاكمين عربيين في السودان والجزائر، فيما عادت الاحتجاجات في الأيام الأخيرة إلى شوارع مصر، رغم القمع الشديد".
ويقول الكاتب إن "التحول الديمقراطي في تونس انتفع في السنوات الثماني الماضية من البراغماتية والإجماع، فرباعية الحوار الوطني التونسي، المكونة من أربعة من مؤسسات المجتمع المدني، حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2015؛ نظرا للدور الذي قامت به في الخروج من المأزق السياسي، وأثر هذا على عملية التحول الديمقراطي، ووافق الساسة على كتابة دستور تقدمي وبناء نظام سياسي شامل، سمح لكل من الإسلاميين وأعدائهم في نظام ابن علي البائد بالمشاركة".
ويلفت مكارثي إلى انه "في مناطق أخرى من العالم انتهى حلم الربيع العربي إلى الثورات المضادة والعنف، إلا أن تونس حافظت على وعد الديمقراطية، وكانت الانتخابات الرئاسية سلمية، وبدت عادلة ونزيهة".
ويستدرك الكاتب بأن "هناك إشارات تثير القلق بأن سياسة الإجماع قد تكون فارغة، وكان هناك تراجع حاد في ثقة الرأي العام في المؤسسات السياسية، وتراجعت الثقة في البرلمان بنسبة 14%، فيما لم تزد نسبة الثقة في الأحزاب السياسية على 9%، وهذه أرقام (أراب باروميتر)، وهو ما يفسر النسبة المتدنية للمشاركة في انتخابات 15 أيلول/ سبتمبر".
وينوه مكارثي إلى أن "التونسيين عبروا عن مطالبهم السياسية من خلال احتجاجات الشوارع، وحصل حوالي 10 آلاف احتجاج كل عام منذ 2016، فوعود التحسن الاقتصادي لم يتم الوفاء بها، فيما لا تزال معدلات التضخم والبطالة عالية".
ويفيد الكاتب بأن "قيس سعيد ونبيل القروي حصلا على ثلث أصوات الناخبين التونسيين فقط، وفي النظام التونسي يكون الرئيس مسؤولا عن الدفاع والأمن القومي والخارجية، ومن سيفوز بالرئاسة يحتاج إلى بناء كتله دعم في البرلمان، ليستطيع بناء إصلاحات دائمة".
ويشير مكارثي إلى أن "سعيد استطاع الحصول على المركز الأول في الجولة الأولى، وحصل على دعم عدد من منافسيه، وكان أستاذ الجامعة معروفا بنقاشاته التلفازية في أثناء كتابة الدستور، إلا أنه أبعد نفسه عن الحياة السياسية، فليس لديه حزب، وتشكلت صورته بصفته أستاذا جامعيا من خلال طريقة حديثه، وكانت حملته الانتخابية متواضعة، ولم تعتمد على حضور إعلامي، بل على زيارات بيتية قام بها فريق من الشباب، وهم الذين صوتوا له، وكشفت استطلاعات الرأي الأولية عن أنه حصل على ثلث أصواتهم".
ويبين الكاتب أن سعيد يعارض القوانين التي لا تجرم المثلية، ويرفض إعادة كتابة قوانين الإرث التي تساوي بين الرجل والمرأة، ويرغب في العودة لتطبيق قانون الإعدام، مشيرا إلى أن ما جذب الناخب التونسي إليه هو خططه للتخلي عن النموذج الرئاسي شبه الدستوري، واستبداله بالديمقراطية المباشرة.
ويورد مكارثي نقلا عن سعيد، قوله: "انتهى عصر الأحزاب في أنحاء العالم كله"، وهو يقترح نقل السلطات إلى المجالس المحلية التي تقرر النفقات، ويتم من خلالها محاسبة الممثلين المسؤولين، مشيرا إلى أنه "من أجل تحقيق خطته فإن عليه الحصول على ثلثي أصوات البرلمان، وإعادة كتابة الدستور، وهو أمر غير محتمل".
ويقول الكاتب: "أما منافسه نبيل القروي فهو يملك ميولا شعبوية، ومعروف من خلال قناته التلفزيونية (نسمة)، التي أدت دورا في الترويج لعمله وجمعيته الخيرية لمكافحة الفقر، وكان القروي مرتبطا ذات مرة في حزب نداء تونس، وهو الحزب الذي مثل مصالح النخبة السياسية والاقتصادية السابقة، وأنشأه الرئيس الباجي قايد السبسي، الذي توفي في شهر تموز/ يوليو".
ويستدرك مكارثي بأن "القروي ابتعد عن حزب نداء تونس، وبنى صورته السياسية للترشح في الرئاسة، وأعلن عن حزبه قبل الانتخابات، وسمح لحملته الانتخابية بالاستمرار بعد اعتقاله في آب/ أغسطس، إلا أنه اشتكى من عدم حصوله على فرصة عادلة، وأن اعتقاله هو خطوة سياسية من رئيس الوزراء يوسف الشاهد، الذي خرج من الجولة الأولى في الانتخابات".
ويقول الكاتب: "لو خسر القروي الانتخابات وتحدى النتائج، أو فاز وتمت إدانته، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة، وستوضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تحت ضغوط، خاصة أن المحكمة الدستورية التي ستكلف بحسم الأزمة لم تشكل بعد".
ويلفت مكارثي إلى أن "القروي وحزبه (قلب تونس) قد يكون واحدا من الأحزاب القوية في البرلمان الجديد الذي سينتخب نوابه في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى جانب حركة النهضة الإسلامية، التي جاء مرشحها في المرتبة الثالثة في انتخابات الأحد، ومن غير المرجح أن يكون الحزبان حليفين، لكن عليهما بناء تحالف للدعم".
وينوه الكاتب إلى أن "التونسيين يأملون أن يؤدي رفض النخبة السياسية إلى إعادة تشكيل النظام وإحياء وعود انتفاضة عام 2011، وإنشاء حكومة تكون مسؤولة وشرعية، وفتح المجال للفرص الاقتصادية".
ويستدرك مكارثي بأن "الخوف يبقى من الانزلاق نحو الميول الديكتاتورية، وهناك بعض اللحظات المخيبة للآمال، بما فيها القانون الذي مرره البرلمان، الذي أضعف هيئة الحقيقة والكرامة وعمليات العدالة الانتقالية، ومنح العفو عن المسؤولين المتهمين بالفساد".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "هناك احتمالا بعدم مشاركة الناخبين بشكل كبير في الانتخابات البرلمانية، ما يعني إمكانية عدم سيطرة الأحزاب الرئيسية، ومن هنا فإن برلمانا مشتتا قد لا يكون قادرا على الحد من طموحات الرئيس، وقد يجد البرلمان صعوبة في الاتفاق على أعضاء المحكمة الدستورية، التي ستكون الضامن الأخير للانتقال الديمقراطي في تونس".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)