نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمديرة مكتبها في بيروت ليز سلاي، قالت فيه إن قبضة
الأسد على السلطة تبدو أقل تمكنا مما كانت عليه عندما أعلن الانتصار قبل فترة وجيزة، وبخاصة مع رفض أمريكا عروضه بالشراكة وتحقيق "تنظيم الدولة-
داعش" انتصارات على جيشه وازدياد التململ داخل طائفته العلوية.
وأضافت أنه بدلا من ظهوره بمظهر الرجل الذي لا يقهر، أصبح من اتهم الإرهابيين بشن حرب ضده عرضة للتخلي عنه كقائد ازدهرت في عهده الحركات الإرهابية، كما حصل مع المالكي الذي دفع ثمن سقوط الموصل.
وبحسب الصحيفة، فلا يبدو أن الأسد قد فهم التغير بعد ويبقى واثقا، بحسب مؤيديه، من أن الولايات المتحدة وحلفاءها ستضطر قريبا للسعي إلى إشراكه في تحالف دولي ضد الإرهاب.
وتتوقع أن يتحدث أوباما خلال خطابه يوم الأربعاء عن استراتيجيته للتعامل مع "الدولة الإسلامية" وستكون الأولوية للعراق، مؤجِّلا أي جهود لمواجهة الفوضى في
سوريا وتاركا الأسد مكانه للفترة المستقبلية المنظورة.
ولا يشكل مقاتلو داعش المتمركزين في شمال وشرق سوريا ولا الثوار المعتدلين الذين يدعمهم الغرب، خطرا عسكريا مباشرا لسلطة الأسد، ذلك أن إيران وروسيا مستمرتان في تقديم الدعم لنظامه.
وتستدرك الصحيفة، بأن هناك اعترافا في واشنطن وعواصم الحلفاء بأن مكاسب المتطرفين تحتاج إلى تعامل مع المظالم التي أدت إلى صعود مثل هذه الحركات، والانتباه للدور القمعي الذي يمارسه الأسد ضد الثورة التي يغلب عليها الطابع السني.
وتقول إن الهزائم العديدة التي ألحقها داعش بجيش النظام في الرقة شمال شرق البلاد الشهر الماضي، تشير إلى أن الأسد -كغيره- أساء تقدير القوة التي أصبح عليها تنظيم داعش، وكان النظام قد غض الطرف عن داعش لتبرير روايته بأن البديل الوحيد له هو التطرف.
وتضيف أنه، مع أن القواعد الثلاث التي سيطر عليها داعش لا تحمل قيمة استراتيجية، إلا أن ما فعله في جنود النظام الذين أمسك بهم تسبب بصدمة لمؤيدي الأسد.. ففي إحدى القواعد قتل داعش أعدادا كبيرة من جنود النظام، بعد جرهم في ملابسهم الداخلية في الصحراء حيث قام بإطلاق النار عليهم. وفي قاعدة أخرى قام بقطع رؤوس خمسين جنديا ووضع رؤوسهم على عصيّ، ثم ألقى جثثهم في شوارع الرقة.
وتلفت إلى أن الصور التي نشرت أثارت غضبا داخل الطائفة العلوية، حيث تم توجيه اللوم للأسد لعدم تعامله بحزم مع مناوئيه بحسب عدة صفحات أنشئت على "فيسبوك". وقد تم سجن خمسة علويين للمشاركة في الاحتجاج من خلال الصفحات، ولكنّ الصفحات استمرت.
وتسجل أن إحدى الصفحات، وعنوانها "أين هم"، تركز على العلويين الذي اختفوا خلال الحرب، وتتهم الصفحة النظام ببذل القليل من الجهد للكشف عن أماكن تواجدهم.
وتشير إلى أن صفحة أخرى كتب فيها: "لن نضحي بدمنا حتى تحافظ على كرسيك الصدئ"، و"لن تستطيع إغلاق أفواهنا، فقد فاض الكيل".
وتنقل عن بروفيسور التاريخ في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديز، قوله إن العلويين لن ينضموا إلى المعارضة السنية ولا يرون بديلا عن النظام الحالي، ويضيف أن "هناك الكثير من الغضب، فقد كانت المذبحة في الرقة مهينة ومؤلمة، ولكن لن يصل الأمر إلى حد سقوط النظام، فهذا ليس ثورة علوية".
وبحسب اقتباس الصحيفة، يقول لانديز، كذلك، إن الشكاوى تعكس وعي العلويين بوضعهم الذي يزداد غموضا مع امتداد زمن الحرب. وكونهم دعموا الأسد بقوة خلال الثورة، فليس أمامهم خيار سوى دعمه أو مواجهة الإبادة على أيدي القوة السنية المتطرفة التي ترى أنهم وثنيون، وما حصل للإيزيديين في العراق ليس ببعيد، على حد تعبيره.
وترى أن العلويين دفعوا ثمنا غاليا بالأرواح لولائهم، وهم لا يرون نهاية للحرب التي يصر الأسد على أنه يكسبها، فقد قتل 110 آلاف على الأقل من جنود النظام ومن المليشيات التي أسست لدعم الجيش، علما بأن عددا كبيرا منهم هم من الطائفة العلوية، بحسب إحصائيات المرصد السوري في بريطانيا.
وتشير إلى أنه لا توجد هناك عائلة إلا وفقدت واحدا أو أكثر من أبنائها، وتملأ القرى والبلدات العلوية صور القتلى. وتشهد الجنازات التي تحصل كل يوم ملاسنات بين الأهالي والمسؤولين الحكوميين، بحسب الناشط ماهر إصبر، وهو من الأقلية الشيعية في سوريا.
وتنقل عن إصبر إصبر، أن "هناك شعورا باليأس، فالنظام يقول للناس إنه يكسب المعركة، ولكنّ الوضع عكس ذلك، إذ إنه يصبح أسوأ، وليس هناك نور في نهاية النفق".
وتنبه إلى قلق العائلات الذي يشير إلى واقع جديد يلوح بالأفق لنظام الأسد، حيث إن الحرب لا تضع أوزارها كما يبدو، لكنها تدخل مرحلة جديدة أكثر خطورة.
وترى أنه بعد ثلاث سنوات من الحرب، أصبح الجيش منهكا، والأسد صار مدينا في الانتصارات التي حققها للميليشيات المحلية التي مولتها إيران، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني. كما أن الكثيرين من رجال الميليشيات الشيعية العراقية عادوا إلى العراق ليحاربوا داعش.
وتؤكد أنه من أجل قمع الثورة، يقوم النظام بقصف التجمعات المدنية المعارضة، ما يزيد من المظالم المحفزة للتطرف.
وتقتبس عن جيف وايت، الباحث في شؤون الدفاع في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قوله: "حتى لو أرادت الولايات المتحدة أن تدخل في شراكة مع الأسد لهزيمة المتطرفين، فليس من الواضح ماذا يستطيع الأسد أن يقدم.. فما نراه هو تآكل غير منتظم للقوات العسكرية، بحيث أصبحت تتضاءل إمكانياتها مع الوقت"، وهذا جزء من السبب الذي يجعل سوريا تسعى للانضمام إلى الائتلاف الدولي الذي يحاول أوباما تشكيله ضد داعش.
وعن سالم زهران الذي يدير مؤسسة إعلامية موالية للنظام، تروي قوله، إن النظام تبنى استراتيجية جديدة وهي محاولة استعادة المناطق التي يستطيع الدفاع عنها فقط ويعلق الأمل على الولايات المتحدة لاستعادة المناطق التي لا يستطيع الدفاع عنها. وتقول إنه توقع أن تكون هناك "مرحلة ثانية من الاستراتيجية في الرقة ستكون بالتعاون مع أمريكا".
وتستدرك بأن أوباما شدد على أنه لا يعتزم الاشتراك مع الأسد، وأنه يجب زيادة الدعم للثوار السوريين المعتدلين، حيث قال أوباما للمراسلين أواخر الشهر الماضي: "لا أرى أي سيناريو يكون فيه الأسد قادرا على جلب السلام لمنطقة ذات أغلبية سنية، ولم يُظهر إلى الآن أي استعداد لإشراكهم في السلطة".
وتشير إلى أن الدبلوماسيين الغربيين يقولون، إن السياسيين لا يبحثون سبل التعاون مع الأسد بل سبل زيادة الضغط عليه للتنازل، بعد أن أصبح يظن أنه لا يمكن الاستغناء عنه. وتضيف أنه سيتوجه مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى دمشق هذا الأسبوع لمحاولة إعادة الحياة لمفاوضات جنيف وبحث فترة انتقالية، بعيدا عن سيطرة الأسد بحسب المسؤوليين الأمريكيين.
لكنّ الأسد يشعر بأنه في وضع أقوى من أي وقت مضى، حين أثبت صعود تنظيم الدولة الإسلامية صحة روايته للعالم، حول التهديد الذي يشكله الإرهابيون، بحسب زهران.
وتنقل عن زهران أيضا، أن "النظام يعتقد بأن ما يقوله أوباما ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي.. فبعد أن دعا لسقوط النظام المجرم، أصبح لا يستطيع العودة والتعاون مع الأسد بشكل كامل. لكنّ هذا هو ما سيتم مع الوقت، فليس لديه خيار آخر".