هناك ما يشبه الهلع «الشعبي» لدى مجتمعات الدول المصدرة للنفط، والمعتمدة عليه بشكل شبه كلي، بسبب انحدار أسعار الذهب الأسود.
السعودية تعتبر من الدول الرئيسية في سوق الطاقة العالمية، لكنها ليست الوحيدة، فهناك مثلا روسيا وفنزويلا. الأخيرة أعلنت حالة طوارئ سياسية اقتصادية بسبب انخفاض سعر البترول.
ماذا عن السعودية؟
لا شك أن ما جرى كان متوقعا منذ فترة، ومن المحال أن تظل أسعار البترول فوق حاجز مئة دولار بلا يوم موعود للنهاية، أو قل لنهاية هذه الدورة من الارتفاع، فالهبوط ثم الارتفاع... دواليك. كما يقول أهل الشأن، ومنهم وزير البترول السعودي المخضرم علي النعيمي، الذي تحدث عن عودة السعر للارتفاع في المدى المنظور.
ليس الحديث الاقتصادي هو المهم، بل الجانب الاجتماعي للبترول في السعودية مثلا.
منذ القدم طرح المعنيون بالتحولات الاجتماعية الكبرى في السعودية، والطفرة البترولية كانت أبرز معالمها، سؤال النفط الاجتماعي، وكتب المرحوم الأديب عبد الله بن خميس عن: النفط هل هو نعمة أم نقمة علينا؟
قد يبدو السؤال غريبا، ولكنه لحظ معنى آخر، هو أن الاعتماد الكامل على محاصيل البترول سيعطل أو يضعف مجالات الاقتصاد الحيوي الأخرى، وبالتالي تضعف مهارات العمل والإتقان لدى الفرد.
برنامج التحول الوطني السعودي الجديد الذي أطلقه ولي ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان ارتكز تحديدا على هذه الحقيقة، وهي عدم رهن الاقتصاد السعودي، وبالتالي المجتمع السعودي، لمؤشر البترول صعودا وهبوطا، وتحرير الطاقات الوفيرة فيه، ما يعني بناء هوية «متجددة» وليست جديدة للفرد السعودي، حين كان جيل الآباء هو من يغذي شرايين الاقتصاد ويحترم قيمة العمل. قبل هبوط ليل الترف والاستهلاك.
تأكيدا على الجانب الاجتماعي للبترول في السعودية، أشير لمرآة الشعر التي عكست طرفا من هذه الصورة. كان الشاعر المبدع نزار قباني، في شعره العاطفي، ثوريا أيضا في شعره السياسي، وكان البترول مشيطنا لديه. قال:
هجم النفطُ مثل ذئب علينا
فارتمينا قتلى على نعليه
وفي السعودية قال شاعر مجيد من أبناء الصحراء النجدية، غاضبا من طفرة النفط، وهو بندر بن سرور:
سلّط على النصراني اللي لقى الزيت
يعلّ نبع الزيت يعمي عيونه
هو يدعو على الشركة الأمريكية (النصراني) لاكتشافها البترول في السعودية (الزيت).
ربما بالغ الشعراء، كعادتهم، لكن الأكيد أن تقليل الاعتماد على البترول، ومحاصيله، ليس أمرا سيئا.
ليس سيئا أن تتدفق في البلاد أنهار أخرى من النماء، غير نهر البترول، هذا هو سؤال المستقبل وتحديه.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية