لشهر كامل وأنا أتابع الكارثة التي ألمت بأهلنا في
الشمال السوري المحرر، حيث حرصتُ على البقاء معهم طوال هذه الأيام لعلنا نستطيع أن
نخفف من وقع هذا المصاب الجلل عليهم، فقمت بزيارة المناطق المتضررة من جنديرس
مروراً بالأتارب ومناطق سلقين وحارم ودركوش وبسنيا وغيرها، فكانت كل المشاهد التي
زرناها والتي لمسناها تنضح بمأساة وكارثة حقيقية بحاجة إلى تكاتف الأمة من أجل التخفيف
عن إخوانهم المنكوبين، ومع الخذلان الذي أصاب منكوبي
الزلزال من الأمم المتحدة
ومنظماتها الدولية، يوم رفضت إرسال
مساعدات وآلات لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض
بحجة الحصول على موافقة النظام السوري، وهي المخولة بموجب قوانينها ذاتها بإرسال
المساعدات في أوقات الكوارث دون الرجوع للحكومات المركزية، زاد من هذا الخذلان
مفاجأة إصرار النخب المشيخية ذاتها على عدم التواصل مع أهلهم في تلك المناطق
بعيداً عن جنديرس بحجة تصنيف هيئة تحرير الشام دولياً على قوائم الإرهاب وهي التي
تحكم المنطقة.
يحدث هذا بينما كثير من منظمات ودول العالم خرقت هذا
التصنيف تماماً، كما سهّلت ويسرت أمريكا لقوانين عقوباتها المفروضة على النظام
السوري بحجة الزلزال، كل هذه التسهيلات تحت لافتة مساعدة المتضررين والمنكوبين،
بينما مشايخنا ونخبنا يصرون على التشدد فيما تساهلت به أمريكا، على الرغم من وجود
أكثر من خمسة ملايين سوري يعيشون في مناطق الشمال السوري التي تدير هيئة تحرير
الشام قسما كبيرا منها. وبغض النظر عن تقييمنا جميعاً للهيئة والمواقف منها إلاّ أنه
لا بد من الاعتراف بأن هناك كارثة كبيرة وعظيمة تستوجب الوقوف مع أهل المنطقة، وهو ما
دفع القوى الغربية، بريطانية كانت أو أمريكا وإسبانية وفرنسية وغيرها، إلى دعم الدفاع
المدني (الخوذ البيضاء) وغيره، وهو الذي برز بقوة وكفاءة خلال هذه الأزمة، ونشط
بشكل كبير وفعال ترفع له القبعة في مناطق الزلزال.
المُفجع أن الأهالي المنكوبين في الشمال السوري المحرر
وتحديداً في مناطق الأتارب وسلقين وحارم وبسنيا ودركوش لم يحظوا بزيارة أي وفد
مشيخي سوري على مدى أكثر من شهر على الكارثة، بينما كانت الوفود تتدفق باتجاه
جنديرس بحجة عدم وجود هيئة تحرير الشام فيها، ولم يكتف كثير من مشايخ الثورة
السورية للأسف بذلك، وإنما أصروا على دفع مشايخ عربية وإسلامية لخطهم، وحرّض بعضهم
على مناطق منكوبي الزلزال في
إدلب وما حولها. والمستغرب أن هذه النخب العربية
استجابت لهذه الاستراتيجية، فكان أن زارت تلك المنطقة اليتيمة وتركت كل المناطق المتضررة
الأخرى في الشمال السوري المحرر المنكوب، على الرغم من تعهد بعضها سابقاً على
وسائل الإعلام بزيارة كل المناطق المتضررة لنفاجأ بتخليها عما تعهدت به، واكتفائها
بمنطقة جنديرس التي رافقتها فيها تلك النخب المشيخية.
مرة أخرى يُظهر الغرب أكثر مرونة في المواقف المتشددة
التي فرضها بنفسه، فيخفف من العقوبات التي فرضها على نظام أسد بحجة الزلزال،
ويتعاطى مع مناطق منكوبة بالزلزال في شمال
سوريا حتى ولو كانت تحت إدارة حركة
صنفها على قوائم إرهابه. وهو ما يحزُّ في النفس وفي نفوس الأهالي المتضررين؛ من
تجاهل النخب المشيخية السورية لكارثتهم، ولو بالتعزية، فالقضية لم تعد أموالاً ولا
مساعدات، وإنما قضية هل الثورة وهل سوريا وهل المناطق التي ضربها الزلزال هي
جنديرس فقط؟ أم أن سوريا والثورة أكبر من ذلك، كما أن العالم أكبر من الدول
الخمس التي تدير العالم عبر مجلس الأمن الدولي.
تنطلق حملة مائة شخصية عربية لمساعدة منكوبي زلزال
تركيا وشمال سوريا، والأمل معقود على أن تكون الحملة لمساعدة منكوبي زلزال شمال
سوريا، وليس الحذو حذو هؤلاء المشايخ في مساعدة جنديرس فقك، وبالتالي حصر مساعدات
الأمة كلها التي جادت بكل ما تملك، وهي التي تمرّ في ظروف اقتصادية صعبة، ومن
بينها أهلنا في لبنان.. ولكن من الظلم للمنكوب، ومن الظلم للمتبرع والمانح أن توجه
أمواله التي تخلى ربما يوم جاد بها عن حاجيات وأساسيات أهله وأولاده من أجل مساعدة
أهله لتذهب إلى شريحة محددة، وتحرم منها شرائح كثيرة متضررة..