دعت
الصين في أعقاب اجتماع وزير خارجيتها وانغ يي، مع وزراء دول عربية وإسلامية في العاصمة الصينية بكين، إلى وقف الصراع في قطاع
غزة ومنع حدوث كارثة إنسانية في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي الوحشي.
وجاءت الدعوة الصينية على هامش اللقاءات التي جرت مع الوفد العربي والإسلامي الذي وصل إلى الصين، في محطة هي الأولى ضمن جولة دبلوماسية يجريها الوفد على الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، في وقت يصعد فيه الاحتلال من وحشية عدوانه على قطاع غزة.
ويأتي هذا التحرك إنفاذا لقرار التكليف الصادر عن قمة الرياض غير العادية، بهدف اتجاه الوقف الفوري لإطلاق النار على قطاع غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق سلام دائم وشامل.
وتكون الوفد العربي الإسلامي الذي زار الصين من وزراء خارجية السعودية فيصل بن فرحان، والأردن أيمن الصفدي، ومصر سامح شكري، وإندونيسيا رينتو مارسودي، وفلسطين رياض المالكي، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، بحسب وكالة الأناضول.
إجماع على وقف إطلاق النار
وشدد وزير خارجية الصين وانغ يي، خلال لقائه مع الوفد الوزاري، على وقوف بلاده إلى جانب العدالة في القضية الفلسطينية، مشيرا إلى جهود بكين الرامية إلى تخفيف التوتر في غزة وإحلال السلام في أسرع وقت ممكن.
ودعا وانغ، المجتمع الدولي إلى التحرك على الفور ومنع استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، وذلك من خلال اتخاذ تدابير فعالة وموثوقة، لافتا إلى أن الوضع في القطاع المحاصر "يؤلم قلوب الناس في كل ركن من أركان العالم، ويزعج ضمائرهم".
وأوضح خلال حديثه أن الصين، بذلت جهودا لتخفيف التوتر وحماية المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية منذ بداية الحرب، وأنها تحاول خلق توافق من أجل السلام في المحادثات الثنائية والمنصات متعددة الأطراف.
ونوه وانغ أن الصين التي تتولى حاليا رئاسة مجلس الأمن الدولي، "تدعم مخرجات القمة المشتركة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بالمملكة العربية السعودية، والتي بعثت رسالة واضحة وقوية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتنفيذ حل الدولة"، بحسب تعبيره.
وقال إن بلاده "مستعدة للعمل مع أشقائنا في العالم العربي والإسلامي لوقف الصراع وإيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية".
وكان البيان الختامي الصادر عن
القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة، في 11 تشرين الثاني /نوفمبر الجاري، دعا زعماء الدول العربية والإسلامية إلى "وقف الحرب على قطاع غزة، ورفض توصيف الحرب الانتقامية الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة".
ودعا البيان "الزعماء إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع"، كما أنه طالب جميع الدول "بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل".
من جهته، أوضح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن الرسالة التي يريد الوفد توجيهها خلال الزيارة إلى بكين، هي "ضمان وقف فوري لإطلاق النار ووقف المجازر وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة".
وأشار ابن فرحان إلى أن الصراع في غزة تسبب في خسائر فادحة في الأرواح، مضيفا: "كارثة إنسانية على أبوابنا، يجب على المجتمع الدولي أن يتحلى بالمسؤولية ويمنع إسرائيل من انتهاك القانون والقانون الإنساني في غزة".
وأردف: "مسؤوليتنا الإنسانية هي اتخاذ الإجراءات بدلا من الجلوس ومشاهدة ما يحدث"، بحسب بيان وكالة الأنباء السعودية "واس".
وفي السياق، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن "هناك سياسة مُعلنة لتهجير الفلسطينيين من غزة، ولكن الموقف المصري والعربي القوي الرافض للتهجير كان بمثابة خط أحمر" ضد تلك السياسة، بحسب تعبيره.
وشدد الوزير المصري على أن "التهجير سيهدد السلم والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم"، مضيفا أن "الخروقات الإسرائيلية الجسيمة لجرائم الحرب الإسرائيلية لا يسميها البعض بمسمياتها الحقيقية".
وتابع شكري بالقول، إن "هناك مسؤولية تقع على مجلس الأمن بحماية الشرعية الدولية، وهذا هو موقف الصين الذي نعرفه ونتوقعه"، وفق ما نشره متحدث الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، على منصة "إكس" (تويتر سابقا).
وأشار إلى أن بلاده "تتطلع لدور أكثر قوة من جانب قوى عظمى مثل الصين، من أجل وقف الاعتداءات ضد الفلسطينيين في قطاع غزة"، منوها إلى أن "هناك دولا كبرى للأسف تعطي غطاء للاعتداءات الإسرائيلية الحالية".
من جهته، تحدث وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، عن ضرورة "امتثال إسرائيل لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والإرادة الدولية، ووقف حربها المستعرة على غزة، وما تنتجه من معاناة وكارثة وإنسانية".
وشدد بحسب بيان نشرته الخارجية الأردنية، على "أهمية إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة للأشقاء الفلسطينيين في القطاع".
ما أسباب التوجه نحو الصين؟
الجدير بالذكر أن الصين، هي أولى محطات الوفد العربي الإسلامي في جولته على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بهدف حشد موقف دولي موحد ضد العدوان الوحشي على قطاع غزة.
وأشار مراقبون إلى أن اختيار اللجنة الوزارية المنبثقة عن قمة الرياض، للصين كمنطلق لجولتها الدبلوماسية لم يأت بمحض الصدفة، وأوضحوا لـ"عربي21" أن الزيارة تحمل رسائل بالغة الأهمية حول الاستياء العربي والإسلامي من سياسات الولايات المتحدة الداعمة بشكل مطلق لدولة الاحتلال رغم تصاعد وحشية العدوان واستهداف المستشفيات والمدنيين.
الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، مهند أوغلو، أشار إلى أن الجولة التي بدأت من الصين في أقصى الشرق، والتي تعبر عن توافق عربي إسلامي في المنطقة، تحمل رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية وعواصم الدول الغربية التي تدعم دولة الاحتلال بقيادة نتنياهو في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن الصين خلال الآونة الأخيرة أصبح لها ثقل حقيقي في المنطقة على خلفية تمدد نفوذها في العديد من الملفات الإقليمية، وذلك بسبب وجود انقسام دولي بين الشرق والغرب ما يسمح لبكين من خلال التعاون مع مجموعة الدول العربية والإسلامية بتبني نهج واضح إزاء الكثير من الرؤى التي يمكن تحقيقها على أرض الواقع.
وشدد على أن النضوج في الموقف العربي والإسلامي الموحد حول ما يحدث في قطاع غزة، والذي يهدف إلى حشد الضغوطات الدولية عبر جولات دبلوماسية مكثفة، من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة إلى تبني الحل الذي ترتئيه دول المنطقة عربية وإسلامية، بحسب تعبيره.
من جانبه، شدد الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أن اختيار اللجنة الوزارية العربية الإسلامية للصين كأول وجهة لها في إطار تحركها لم يكن من محض المصادفة.
ونوه خلال حديثه إلى "عربي21"، أن البدء من الصين، يعكس أمرين مهمين، أولهما هو أن العالمين العربي والإسلامي يعولان على دول مثل الصين وروسيا من أجل حشد المجتمع الدولي لحشد ضغط دولة على دولة الاحتلال ينهي الحرب المدمرة على قطاع غزة.
وتابع أن الأمر الثاني يظهر إحباط هذه الدول العربية والإسلامية من الموقف الأمريكي من هذه الحرب، الذي ليس فقط لا يساعد على إمكانية التوصل إلى تهدئة، بل يشجع الاحتلال في تصعيد وحشيته تجاه الفلسطينيين.
يأتي ذلك في ظل تصاعد وحشية دولة الاحتلال في عدوانها على قطاع غزة، واضعة المستشفيات والمراكز الصحية على رأس قائمة أهدافها، ما أسفر عن خروج معظمها عن الخدمة بشكل كامل بسبب القصف العنيف أو نفاد الوقود.
ولليوم الـ45 على التوالي، يواصل الاحتلال عدوانه على غزة، في محاولة لإبادة أشكال الحياة كافة في القطاع، وتهجير سكانه قسريا، عبر تعمده استهداف المناطق والأحياء السكنية وقوافل النازحين والمستشفيات.
وارتفعت حصيلة الشهداء جراء العدوان الوحشي إلى أكثر من 13 ألف شهيد، بينهم 5 آلاف و500 طفل و3 آلاف و500 سيدة، فضلا عن إصابة ما يزيد على 30 ألفا آخرين بجروح مختلفة جلهم من الأطفال والنساء، وفقا لأحدث أرقام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
"دور محوري للصين!".. ماذا عن دول المنطقة؟
شدد علوش، على أن فرص الصين في لعب دور أكبر في القضية الفلسطينية في المستقبل تبدو محدودة لاعتبارات عديدة، ليس أقلها أنه رغم التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط إلا أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العالمية المهيمنة في المنطقة بسبب الشبكة المعقدة من تحالفاتها إضافة إلى وجودها العسكري القوي وهو ما لا يتوفر للصين، بحسب الباحث في العلاقات الدولية.
واستطرد في حديثه لـ"عربي21"، قائلا إنه "رغم ذلك، فقد بدا في الفترة الأخيرة أن الصين ترغب في تعزيز حضورها في المنطقة، وهي تدعم لعب دور في القضية الفلسطينية"، مشيرا إلى أن موقف الصين من القضية الفلسطينية هو في الأساس موقف لافت للعالمين العربي والإسلامي، لا سيما بعد إظهار العدوان الأخير عدم قدرة الولايات المتحدة على رعاية عملية سلام في المستقبل بين الطرفين، بالنظر إلى فشلها على مدى عقود في ذلك، وأيضا انحيازها التاريخي إلى جانب الاحتلال.
وأضاف أن ذلك أحد الأسباب التي تجعل العالمين العربي والإسلامي يتطلعان نحو دور محوري لدول كالصين وروسيا في المستقبل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
بدوره، شدد الباحث مهند أوغلو، على أن الحراك العربي الإسلامي الذي انطلق من الصين لن يكون شكليا على الإطلاق في ظل وجود وعي ونضج سياسي حقيقي في المنطقة.
وتابع أوغلو في حديثه لـ"عربي21"، أن الضغط العربي والإسلامي بدأ من قمة الرياض من ثم تحول إلى التحرك السياسي لحشد الضغوطات من أقصى الشرق الصين إلى أقصى الغرب الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وفق رؤية دول المنطقة.
واعتبر أن الحراك العربي الإسلامي فاصلة إقليمية على الصعيد السياسي، من شأنه أن يضغط نحو إجبار الاحتلال والولايات المتحدة على الحل الذي ترتئيه هذه الدول وهو حل الدولتين.
في السياق ذاته، شدد علوش على أهمية تحركات دول المنطقة من أجل تشكيل رأي عام دولي يدفع باتجاه إنهاء الحرب، إلا أنه نوه إلى أن الموقف العربي والإسلامي متأخر بخطوات عما يحدث في غزة في ظل افتقاره لخطوات عملية لإظهار مزيد من الضغط على الولايات المتحدة والاحتلال.
وذكر أنه في مرحلة معينة لا يمكن أن تتأخر كثيرا في ظل تصاعد الوحشية الإسرائيلية، سيتعين على الدول العربية والإسلامية أن تتخذ خطوات عملية على أرض الواقع لوقف الحرب.