بعث رئيس حركة "
النهضة" المعتقل، الشيخ راشد
الغنوشي، برسالة من سجنه بمناسبة مرور سنة على اعتقاله.
وقال الغنوشي إنه طرح على نفسه سؤالين، هما: "هل كان ضروريا إلقاء ذلك الخطاب في المسامرة؟ أم كان بالإمكان تجنب ما حدث؟ وماذا أنجزت خلال هذه السنة؟".
وتابع: "أما السؤال الأول فانتهيت فيه إلى الجواب التالي: ما حدث لم يكن حدثا عرضيا، وخطابي تلك الليلة كان مناسبا لما حدث في بلادنا ذات 25/7/2021 وهو الانقلاب الذي يعبر عن "سلطة الفرد" والحكم المطلق. الانقلاب هو تجسيد لحكم الفرد بما يتضمنه من بيان رقم 1 وحل المؤسسات الدستورية و إصدار مراسيم".
وأضاف: "لم يكن خطؤنا أننا كنا سباقين في الإعلان أن ما حدث انقلاب وأننا سنقاومه سلميا في إطار القانون ودستور 2014. خطؤنا كان في اختيار شخص غير مناسب سنة 2019. ولو كانت الثورة كتابا لما وجدنا له فيه سطرا".
وأردف أن "إعلاننا أنه انقلاب لم نتأخر فيه، ونقلنا الصورة للشعب وللعالم بألوانها الطبيعية. تناقضنا مع هذا المسار هو تناقض له أسس وليس تناقضا عرضيا يمكن تغطيته بكلمات في مسامرة".
وتابع متحدثا عن الرئيس
قيس سعيد: "هو شخص أعطيناه أصواتنا - أغلى ما يملكه أي حزب، لنجد أنفسنا أمام منهجين: الديمقراطية وحكم الفرد الذي امتد من الصادق باي إلى بورقيبة وبن علي وانقطع بعد الثورة ليعود بعد الانقلاب".
وأضاف الغنوشي: "نحن لا نندم على ما قررناه ولكن نندم فقط على منحنا الثقة لمن عاد بالبلاد إلى الوراء، إلى حكم الفرد".
وتابع بأن "الدليل على أننا سلكنا الطريق الصحيح هو التحاق أغلب العائلات السياسية والحقوقية. وما تشكُّل جبهة الخلاص إلا تعبير عن أن هذا الخط صحيح، إنه خط اللقاء لرفض الحكم الفردي".
وأضاف مهاجما سعيد: "هو استكثر السلطة على القضاء وعلى البرلمان واعتبرهما وظيفة وجعل كل السلطة بيده".
وأردف: "أما السؤال الثاني فانتهيت فيه إلى الجواب التالي: إن المطلوب من السجين السياسي هو الصمود لأن الناس يدخلون السجن متحمسين من أجل أفكارهم، غير أن السجن كسار للعزائم. لذلك فإن كثيرا من التنظيمات كسرها السجن فتنتقل إلى التقييم ونقد الذات، ثم بعد ذلك يجلدون ذواتهم ويوجهون أصابع الاتهام لأنفسهم بعد أن كانوا قد دخلوا السجن لأنهم وجهوها إلى السلطة".
وتابع: "الحمد لله أن كل المساجين السياسيين صامدون لم يتعذر منهم أحد، ثابتون على موقفهم في اعتباره انقلابا وثورة مضادة سنقاومها جميعنا بقيم الديمقراطية والسلمية والمحافظة على جوهر المعارضة".
وأضاف: "واجب السجين السياسي الثاني هو الحفاظ على صحته ونحن نحاول قدر الإمكان فعل ذلك. السجن مصادرة للإنسانية حتى إن كل الأنبياء لم يُهدَّدوا من أجل أفكارهم بالسجن إلا فرعون فقد هدد بالسجن لأنه يعي وهو فرعون المتجبر أن السجن هو أكثر المؤسسات التي اخترعها الإنسان توحشا لأنها تسلب الحرية والله خلق الإنسان حرا".
وقال الغنوشي: "إن السجن فرصة للتأمل أيضا والكتابة والمطالعة، وقد طالعت خلال هذه السنة موسوعة ابن أبي الضياف وكتاب السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي، ومجلدات بيرم الخامس وتاريخ الفلسفة الغربية وعددا آخر من العناوين في الدين والفلسفة والسير، كما أني أعدت قراءة كتب من ذلك مقدمة ابن خلدون وأعمال محمد الطاهر بن عاشور (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام) ومقاصد الشريعة، وأليس الصبح بقريب، وآفاق إسلامية للفاضل بن عاشور، وموسوعة أحمد أمين، وغيرها من الكتب".
وتابع بأن "السجن في مجمله خير لأن أمر المؤمن كله خير. نحن اخترنا الحرية ودخلنا السجن دفاعا عنها وهو ضريبة الحرية. هناك اليوم من يتهم المقاومة الفلسطينية بأنها تتحمل وزر عشرات الآلاف ممن ارتقوا شهداء وكأن الشعوب التي تحررت من العبودية لم تدفع الثمن الذي يليق بحريتها من دماء وأموال. فمن يخطب الحسناء لا يغله مهرها".
وأردف بأن "
تونس العزيزة احتفلت منذ أيام بعيد الشهداء، 9 أبريل، الذي ارتقى فيه الشهداء من أجل برلمان تونسي يعبر عن إرادة الشعب، تونس دفعت شهداء بلا عددٍ من قتلوا في إضراب 78 وثورة الخبز وحرب الجلاء، لا نعلم عددهم وهو عدد كبير بالتأكيد، تونس دفعت بلا عدد من الشهداء من أجل الحرية".
وتابع بأن "ثورة الحرية والكرامة هي تعميد لدماء الشهداء وكل شعب يأخذ من الحرية بقدر المهر الذي دفعه".
وقال الغنوشي إن "حركة النهضة أول من أعلن أنه انقلاب، وذلك دليل على أن فكرة الحرية تعمقت ولا مساومة عليها مهما كان الثمن والتضحيات. وأن التقاء عديد العائلات السياسية على اعتباره انقلابا يؤكد أن لا ديمقراطية في ظل رفض أي فكر سياسي، والنهضة أبرز عنوان للتأكيد على الحرية من عدمها، وأن الحرية لا تتجزأ كما المبادئ، إما كل أو لا".