اقتصاد عربي

من يملك التحكم بالنقد الأجنبي بمصر بعد عودة حيازة الأجانب بقوة في أدوات الدين؟

بلغت حيازات الأجانب 35.5 مليار دولار في أبريل 2023- جيتي
شهدت حيازات الأجانب من أدوات الدين المصرية قفزة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث وصلت إلى 35.5 مليار دولار في نيسان/أبريل الماضي، بزيادة قدرها 180% منذ بداية العام الجاري.

وبلغت حيازة الأجانب لأذون الخزانة المصرية 12.7 مليار دولار في نهاية عام 2023. وهذا يعيد إلى الأذهان تأثير سحب الأجانب لنحو 22 مليار دولار في عام 2022 على الاقتصاد المصري ووضع النقد الأجنبي في البلاد.

في آذار/ مارس الماضي قرر البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه وهوى من 30 جنيها إلى نحو 48 جنيها بنسبة 60%، ووافق صندوق النقد الدولي على رفع قيمة قرض مصر من 3 إلى 8 مليارات دولار ما سمح بعودة الاستثمارات الأجنبية للسوق المصري مجددا.

خلال أول شهرين من تحرير سعر الصرف في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل الماضيين، تدفقت استثمارات أجنبية غير مباشرة في أذون الخزانة بنحو 21.8 مليار دولار بحسب بيانات التقرير الشهري الصادر للبنك المركزي المصري.


الأرقام وتداعياتها
قفز متوسط سعر الفائدة على أذون الخزانة المصرية بالعملة المحلية لأجل 3 أشهر 91 يوما، الاثنين، إلى 27.15% وسجل أعلى مستوى له منذ 4 شهور، وفق بيانات منشورة على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي.

حيازات الأجانب: 35.5 مليار دولار في نيسان/ أبريل 2023، ارتفاعاً بنسبة 180% منذ بداية العام.

مدفوعات الفوائد: تُشكل حوالي 50% من إجمالي الموازنة العامة للدولة في العام المالي 2024/2025، بزيادة من 37% في الموازنة الحالية.

حجم الموازنة: حوالي 3.870 تريليون جنيه (81 مليار دولار).

مدفوعات الفوائد: 1.834 تريليون جنيه (38 مليار دولار) مقارنة بـ 1.120 تريليون جنيه (23 مليار دولار) في الموازنة السابقة.

احتياجات الاقتراض: 2.850 تريليون جنيه (60 مليار دولار)، موزعة على عجز الموازنة (1.243 تريليون جنيه) وسداد أقساط القروض (1.607 تريليون جنيه).

تساؤلات
تثير هذه الأرقام تساؤلات حول تحكم الأجانب في النقد الأجنبي في مصر، خصوصًا في ظل الارتفاع الكبير في حجم مدفوعات الفوائد، واعتماد الحكومة المصرية على الاقتراض لتمويل العجز وسداد الأقساط. كما يُثير هذا الوضع مخاوف من تأثيره على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.

وأشار خبراء في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن هناك تساؤلات أخرى تتعلق بمدى قدرة الحكومة على تنفيذ خططها الاقتصادية دون الاعتماد المفرط على التمويل الأجنبي، وتأثير ذلك على المواطن المصري، الذي يتحمل أعباء ارتفاع الأسعار والتضخم في ظل هذه الظروف.

دائرة مغلقة من الاقتراض والأزمات
وصف الخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار، تأثير تدفق استثمارات الأجانب "بالخطر المحدق، خاصة أن مصر هي ثاني أكبر دولة في العالم مدينة لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وما  تزال لديها قدرة على الاقتراض. إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات الجيوسياسية".

وتعتبر مدفوعات سداد الفوائد المستحقة على الدين الحكومي، بحسب تصريحات نوار لـ"عربي21" "أكبر بند من بنود الميزانية العامة للدولة، والبند الوحيد الذي ينمو نموا بشكل سرطاني ومقلق منذ بدأت الدولة في الاعتماد على الاستدانة لتمويل استخدامات الميزانية بزعم أنها تقترض لتمويل الاستثمار، لكن الحقيقة المرة التي لا تقبل الجدل هي أن الحكومة تقترض لسداد أعباء الديون، ولا علاقة لذلك بالتنمية الحقيقية من قريب أو بعيد".

ورأى الخبير الاقتصادي أن "الأخطر من ذلك هو أن حاجة الدولة لتوفير موارد لسداد الفوائد أصبحت المحرك الرئيسي لزيادة الضرائب العامة والتي تبلغ أكثر من 75% من إيرادات الدولة. وهنا فإن الضرائب تخرج عن نطاق وظيفتها الحقيقية في تمويل التنمية والإدارة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتخرج عن نطاق السيطرة".

وطالب نوار "بوقف المشروعات القومية عديمة الجدوى، ووقف المشروعات الكبرى بالأمر المباشر، وإجراء مراجعة التكاليف الحقيقية للمشروعات، لأن هناك مبالغة كبيرة في التكاليف، وإخضاع حسابات المشاريع للمساءلة، وأن يقتصر الاقتراض على تمويل مشروعات تدخل في نطاق استراتيجية تحقيق التنمية"، مشيرا إلى أن "الحكومة هي من صنعت أزمة المديونية الحالية، وهي مسؤولة عن حلها".


توقعات مستقبلية متشائمة
انتقد الباحث الاقتصادي وخبير أسواق المال، أحمد قطب، برنامج حكومة مدبولي الجديد "الذي يفتقر لبناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات بما يعزز الصلابة الاقتصادية من ناحية والمرونة والاستباقية في إدارة الأزمات، والتصدي لها بفاعلية".

وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "تأثير الأموال الساخنة بفوائدها المرتفعة سيؤدي إلى ارتفاع حجم الدين وزيادة الفوائد وبالتالي ينعكس ذلك بالسلب على انخفاض بنود الإنفاق الأخرى في الميزانية من الدعم والصحة والتعليم، وهو ما دفع الحكومة إلى رفع أسعار الطاقة والوقود وغيرها من الخدمات الحيوية التي سوف تزيد معدلات التضخم مجددا".

وتوقع قطب استمرار الحكومة "في اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية من أجل زيادة الإيرادات مثل زيادة الضرائب إلى جانب رفع الدعم بشكل نهائي خلال 3 سنوات وتخفيض البنود الاستراتيجية في الموازنة بما فيها خفض الدعم الموجه للخبز، كل هذا مقدمة لتغييرات كبيرة سلبية على حياة ومعيشة الجزء الأكبر من المواطنين".