قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن تقدم قوات تنظيم الدولة الإسلامية في
العراق والشام "
داعش" خلق موجة من الرحيل العراقي، وهذه ليست الأولى التي يهرب فيها العراقيون من بيوتهم بمئات الألوف، "فخلال العقود الماضية لم يشهد العراق إلا فترات قليلة من السلام، ويعيش المدنيون على ما يبدو رحيلا دائما".
ونقلت الصحيفة إحصائيات للأمم المتحدة تفيد بأن الظروف الأمنية شردت أكثر من مليون عراقي هذا العام.
وأشارت الصحيفة إلى رحلة عقيل أحمد، وهو سني من مدينة بلد حيث هرب إلى داربنديخان وهي بلدة قريبة من الحدود الإيرانية، ما جعله لاجئا داخل بلده، ووصف الوضع غير الواضح في بلدته حيث قال إنها تقع بين "داعش" والميليشيات الشيعية، على حد قوله.
وقال: "عندي عمر وعثمان وعائشة"، وهي أسماء تجعله وعائلته هدفا للميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي، ويخشى من أن يقوموا "بذبحهم".
وأدى التقدم السريع لـ"داعش" في معظم أنحاء العراق -وفق الصحيفة- لاندماج الحرب هنا مع الحرب في سوريا التي تعيش حربا أهلية منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ودفعت بالملايين للهرب لدول الجوار الأردن وتركيا ولبنان ومناطق
الأكراد، وفتح تقدم "داعش" الباب أمام رحيل جديد للعراقيين.
وعاني العراق أزمة لاجئين ضخمة بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وفي تلك الفترة تدفق معظمهم إلى سوريا التي تعد خيارا، وكان الأردن خيارا ثان، لكنه يعاني من مشكلة الحرب في سوريا، ووصول أعداد يومية لأراضيه بسببها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الأمم المتحدة قوله: "الوضع وصل نقطة حرجة"، مضيفا أن الوضع في العراق أصبح سيئا مثل سوريا، وتتزايد الأزمة يوميا، وتتفوق على قدرات الحكومة للتعامل معها، ولم تعد هناك حكومة مركزية في العراق، وفي السنوات الماضية اتسمت بالضعف.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت عن نداء بقيمة 106 مليون دولار أمريكي بداية هذا العام للتصدي لاحتياجات 500.000 لاجيء من منطقة الأنبار، ولم يتم جمع سوى جزء صغير من المبلغ وتخطط الأمم المتحدة دعوة المجتمع الدولي لجمع 316 مليون دولار لمواجهة الأزمة الجديدة.
وتظهر الشهادات التي جمعتها الصحيفة من قرية في شمال شرق العراق أن معظم القادمين إليها أجبروا على الرحيل، وأن "العنف الطائفي" كان وراء قرار مغادرة بيوتهم.
وهرب الكثير من المشردين لمنطقة الأكراد التي تتمتع بحكم ذاتي، والذي استقبل آلالاف من السوريين الذين توزعوا على مدن الإقليم، وبعضهم أطفال يتسولون عند إشارات المرور في إربيل، وهناك
لاجئون من منطقة الأنبار الذين هربوا من القتال الذي اندلع بداية العام الحالي.
فالمنطقة وإن عاشت فترة من الهدوء النسبي إلا أنها تخوض مشاكل مع بغداد حول عوائد النفط التي قامت بتخفيض ميزانية حكومة إقليم كردستان.
وفي الوقت الذي نال قادة الأكراد فيه ثناء على فتح أبوابهم للاجئين، إلا أن هناك خشية من تزايد عدد العرب في مناطقهم.
وقال رجل: "لم يسمحوا لي بالدخول لأنني عربي".
وعلى الجانب الآخر قرب الحدود السورية، يقضي العديد من اللاجئين ساعات طويلة ويقطعون الجبال والطرق الصعبة للوصول إلى مناطق آمنة.
وفي مخيم مغبر يتوفر فيه القليل من الطعام والماء، ولكن ليس المواد الطبية، قالت سميرة علي، تركمانية من تلعفر التي سقطت بيد "داعش" إنها ليست المرة الأولى التي تجبر على الرحيل، ففي عام 2005 عندما قصف الأمريكيون مدينتها، وفي المرة الثانية عام 2006 أثناء الحرب الطائفية، هذه هي المرة الثالثة.
ونقلت الصحيفة عن رجل تركماني، جاسم عزيز محمد قوله إن أبناء بلدته وجدوا أنفسهم وسط "طائفتين متحاربتين – الشيعة وداعش ولا نعرف ماذا يحدث؟".
وتقول الصحيفة إن العراق يواجه مصيرا قاتما، وإمكانية تقسيمه بناء على الهويات والإثنيات.
وفي بلدة داربنديخان معظم المشردين هم من السنة الغاضبين على ظروفهم، ولكنهم عبروا عن مظالم متجذرة في التاريخ، ما يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق المصالحة مع الشيعة.