اعتبر خبراء ومحللون
لبنانيون أن إغلاق الحدود الشرقية للبنان لتحييد البلاد عن نار الأزمة السورية "أمر غير ممكن"؛ بسبب رفض "
حزب الله" لذلك، مشيرين إلى أن المطالبة بتوسيع القرار الدولي 1701 ليشمل هذه المنطقة الحدودية أمر "غير قابل للتطبيق"، مع استحالة إيجاد حل لتدفق المسلحين عبر الحدود بمعزل عن "رؤيا سياسية" مصاحبة.
وتوقع المحللون أن تتصاعد حدة المواجهات في المنطقة الحدودية بين المجموعات السورية المسلحة وأبرزها "جبهة
النصرة" و"حزب الله" الذي يسعى لـ"توريط" الجيش اللبناني فيها، دون استبعاد امتداد المعارك إلى منطقة شبعا اللبنانية المحاذية للجولان السوري الذي تحتل إسرائيل نحو ثلثي أجزائه منذ عام 1967، وخطورة ذلك للحساسية الديموغرافية للمنطقة لناحية التعدد الطائفي.
وتطالب قوى "14 آذار" في لبنان، المؤيدة للثورة السورية، بتوسيع القرار الدولي 1701 ليتم تطبيقه على الحدود الشرقية أملا في منع "حزب الله" من الاستمرار بالتدخل عسكريا في
سوريا، الأمر الذي يرفضه الحزب.
وأقر مجلس الأمن القرار 1701 في آب/ أغسطس 2006 من أجل وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، بعد حرب استمرت 33 يوما بين إسرائيل وحزب الله، ونص القرار على تعزيز عدد القوات الدولية في جنوب لبنان (يونيفيل) لتصل إلى 15 ألفا ونشر الجيش اللبناني على الحدود وإبعاد مقاتلي حزب الله، بالإضافة إلى "مساعدة الحكومة اللبنانية على ممارسة سلطتها في جميع أنحاء أراضي لبنان".
وقال الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين إن "حزب الله من حيث المبدأ ليس لديه أي استعداد لبحث فكرة إغلاق الحدود (الشرقية)"، معتبرا أن الحزب "يتحكم بهذا القرار والحكومة اللبنانية تستسلم له".
وحذر الأمين أن ذلك "يؤدي إلى ردة فعل مقابلة، بمعنى أنه عندما تتحرك جبهة النصرة وغيرها من المجموعات لخرق الحدود اللبنانية فهي تعتبر أن هناك معركة قائمة أصلا"، مشيرا إلى أن "النصرة" كانت واضحة بإعلانها "أنها ستحارب حزب الله طالما هو موجود في سوريا، وبالتالي لا يمكن العزل بين معالجة مسألة الحدود وإيجاد رؤيا سياسية".
وشدد على أهمية "البعد السياسي، بمعنى أنه لا يمكن اعتماد حل أمني فقط للحدود، وهذا أمر ينطبق في أي منطقة حدودية بأي دولة في العالم"، مضيفا أن "فصل معالجة تدخل حزب الله في سوريا عن الحدود غير وارد".
ورأى الأمين أنه في موضوع الحدود الشرقية التي تشهد اشتباكات بين "حزب الله" و"النصرة" وتنظيم "
داعش" بالإضافة إلى الجيش اللبناني، "يجب استخدام القوة والسياسة معاً كما على الحدود الجنوبية حيث العدو الإسرائيلي".
وتساءل قائلا "في الجنوب ما زلنا قادرين على الاتفاق مع إسرائيل ضمنيا وجعل الحدود آمنة من دون أن يعني ذلك أن إسرائيل لم تعد عدوا، فلماذا لا يجري الأمر نفسه على الحدود الشرقية؟"
وأضاف الأمين أن "حزب الله يدفع لتوريط الجيش اللبناني في الحرب"، معتبرا أنه "لو ترك الأمر للجيش فهو قادر على عقد اتفاقيات مع هذه المجموعات (النصرة وغيرها) تؤدي إلى إغلاق متبادل للحدود، لكن ما يمنع ذلك ويزيد من تفاقم الأمور هو حزب الله".
واتفق المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينغما) رياض قهوجي، مع طرح الأمين، مشيرا إلى أنه "طالما أن حزب الله اليوم وعبر إيران هو جزء من الحرب الدائرة في سوريا والمنطقة، وطالما لديه الشعور بأن دوره يساعد صمود حليفه النظام السوري، فلن يسمح بإقفال الحدود الشرقية ويمكنه ممارسة الضغط الداخلي عبر حلفائه السياسيين في لبنان".
لكن قهوجي قال إن "حزب الله قد يقرر الانسحاب من سوريا ويرى أن مصلحته تكمن في الانكفاء وإغلاق الحدود حماية له، إذا تم تكريس معادلات جديدة على الأرض في سوريا، مثل أن يجيز التحالف الدولي تدخلا برياً تركياً ومنطقة حظر جوي في الشمال (السوري)".
وأوضح أن هذه المعادلات إذا حصلت تعني أن "الأمور بدأت تميل لصالح المعارضة السورية، وبالتالي في هذه الظروف سيعتبر حزب الله أن معركة سوريا خاسرة فيقرر الانسحاب".
من جهته، وصف الأمين وضع الحزب اليوم بأنه "مأساوي"، لافتا إلى أنه "إذا كنا في هذه الفترة نشهد سقوط قتيل أو قتيلين للحزب يوميا فالأمور ستتطور إلى 10-15 قتيلاً في الفترة نفسها لاحقا".
وشدد على أن "هناك تطورا عسكريا في أداء المجموعات السورية المقاتلة (في القلمون على الحدود اللبنانية) نتيجة خبرات قتالية سابقة طوال 3 سنوات والروح القتالية العالية التي تظهرها"، وأردف: "هؤلاء ليسوا مرتزقة وعندهم قضية يدافعون عنها سواء اتفقت معهم ام لا".
ورجّح الأمين أن يكون هناك "قرارا اتخذته هذه المجموعات على الحدود الشرقية ومن الواضح أنها تستهدف حزب الله حصرا، لا القرى المسيحية وليس الجيش اللبناني".
وقال إن "الأمور ذاهبة إلى تصعيد أكبر، وما حصل في (معركة) بريتال على الحدود اللبنانية مع سوريا قبل أيام يسقط نظرية أن هناك مجموعات (النصرة وداعش) محاصرة تقوم بعمليات عسكرية انتحارية يائسة، بل شاهدنا تخطيطا وانسحابا".
وأضاف أن هذه المجموعات "تتحرك بحرية حتى داخل القلمون، أما بالنسبة للكلام عن حصارهم وسعيهم إلى فتح ممرات قبل الشتاء فالوقائع تثبت عكسه".
وتطرق قهوجي إلى المطالبة بأن يتم توسيع القرار 1701 ليشمل الحدود الشرقية، فاستبعد تطبيق ذلك لأن "حزب الله لن يسمح بذلك أولا، وثانيا من الصعب جدا أن نجد دولا توافق على هذه المهمة".
وأوضح أن "هناك قوى غير حكومية في سوريا (في القلمون)، بينما في لبنان الأطراف التي تلتزم تطبيق 1701 جنوبا هما لبنان وإسرائيل رغم وجود حزب الله كقوة غير نظامية"، مضيفا: "في سوريا، الحكومة غير مسيطرة على الحدود وتحديدا في القلمون والقنيطرة وبالتالي لا يمكنها التعهد بحماية القوات الدولية اذا انتشرت هناك".
وأضاف أن "مشكلة قانونية موجودة تمنع تطبيق 1701 على الحدود اللبنانية السورية"، مردفا أنه "بالتالي يكون طرح قوى 14 آذار بتطبيق الـ1701 شرقا ذرا للرماد في العيون، هذا الطرح غير قابل للتطبيق".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت المعارك على الحدود الشرقية بين "حزب الله" و"النصرة" من الممكن أن تمتد إلى الجنوب الشرقي أي محور شبعا – القنيطرة، رأى قهوجي أن "هذا يتوقف على وضع قوات المعارضة السورية هناك، واعتقد أن وضعهم يختلف عن مجموعات القلمون التي وقعت تحت الضغط بعد فصل عرسال (شرقي لبنان) عن الجرود (الجبال الجرداء التي تحيطها)".
وأوضح انه على العكس من ذلك "في القنيطرة، تسيطر المعارضة على خطوط إمداد مفتوحة إلى الأردن وهم ليسوا بحاجة من الناحية التكتيكية إلى فتح جبهة إلا إذا كانت هناك أجندة خاصة للضغط على حزب الله وإشغاله عبر إشعال الجبهة من ناحية شبعا".
وفي هذا السياق، وصف الخبير العسكري والعميد المتقاعد المقرب من حزب الله امين حطيط، اقتراح توسيع القرار 1701 بأنه "سخيف ويظهر مراهقة سياسية عند بعض الأطراف".
وقال حطيط إن "القرار1701 اقر تحت الفصل السادس بمهمة محدودة، وهي مراقبة الاعمال القتالية بين لبنان واسرائيل، وبالتالي هذا القرار لا يعطي القوات الدولية حق استخدام القوة، الا في الدفاع المباشر عن النفس، اما خارج ذلك فتكون مسؤولية الجيش اللبناني".
وأضاف أنه نتيجة ذلك فـ "القوات الدولية سواء في لبنان (يونيفيل) أو سوريا (اندوف) لا تقوى على مواجهة هذه المجموعات الإرهابية، وتجربة الاندوف ما زالت ماثلة للعيان من خلال خطف النصرة لمجموعة من الجنود الدوليين مؤخراً"، مشيرا الى ان "الاندوف" كادت أن تنسحب من الجولان نتيجة ذلك.
وتطرق حطيط إلى إمكانية امتداد المواجهات بين "حزب الله" و"النصرة"، إضافة إلى غيرها من المجموعات المسلحة، إلى محور شبعا – القنيطرة، فحذر من أن "الخوف الرئيسي في لبنان اليوم هو تمدد الإرهاب إلى شبعا ومزارع شبعا وحاصبيا لأن هذا المحور هو الأخطر لحساسيته وخصوصيته الديموغرافية الطائفية فيه، ويضم دروزا ومسيحيين وسنة".
وقال حطيط إن "المجموعات الإرهابية حاولت دخول لبنان من ثلاثة محاور: الأول عرسال وقد تم تجميده لأنه فشل، والثاني وهو الدخول الأوسع عبر بريتال (في البقاع) باتجاه الساحل إلى بيروت وجونيه (شمال العاصمة) وتم القضاء عليه وملاحقة الإرهابيين حتى عسال الورد من قبل حزب الله وهو مستبعد حاليا".
وأشار إلى المحور الثالث الممتد من شبعا الحدودية إلى مدينة صيدا جنوبي لبنان "وهو المنتظر وهناك خوف منه"، لكنه كشف أنه "لقطع الطريق على هذا التمدد الإرهابي باتجاه هذا المحور"، قام حزب الله بتفجير عبوة بدورية إسرائيلية في مزارع شبعا منذ أيام "كرسالة مزدوجة إلى إسرائيل والإرهابيين بأنه جاهز للتصدي".