نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب آيساك ستانلي-بيكر، يقول فيه إن الظروف كانت مواتية لعودة الوسط السياسي البريطاني، عندما تم الإعلان المفاجئ عن انتخابات مبكرة تم إجراؤها يوم الخميس.
ويقول الكاتب إن حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي يعد حزب وسط–يسار، الذي عوقب قبل عامين؛ بسبب تحالفه مع المحافظين في حكومة ائتلاف، لم يحقق تقدما كبيرا؛ بسبب ضعف زعيمه، وخصوصيات النظام الانتخابي البريطاني، واختيار الناخب البريطاني مغادرة
الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن الحزب الذي لم يحصل على سوى 8 مقاعد في 2015، حسن من وضعه قليلا (12 مقعدا)، لكنه لم يحقق تقدما باهرا.
ويضيف بيكر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن فشل حزب المحافظين في الحصول على أغلبية برلمانية جعل حزب الديمقراطيين الأحرار في موقع صانع الملك لو أراد ذلك، لكن الحزب قال إنه لن يدخل في تحالف.
ويجد الكاتب أن الصعوبة التي واجهها الحزب في تحقيق تقدم، بالرغم من المزايا الواضحة، تقدم حالة لدراسة كيف تذبل البدائل السياسية، حتى عندما تقل الثقة في السياسية المعهودة.
ويشير بيكر إلى أن "ما أعطى الحزب المزيد من الأمل هو أنه فاز في انتخاب خاص تم في شهر كانون الثاني/ ديسمبر، في منطقة كانت تفضل البقاء في الاتحاد الأوروبي، فقام ببناء برنامجه حول إعادة الاستفتاء بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، أما الحزبان الرئيسان، حزب المحافظين الحاكم وحزب
العمال المعارض، فتطرفا في مواقفهما ليعكسا، وربما ليبالغا في عكس الاستقطاب الحاصل في الرأي العام، ولم يقدم أي منهما مجالا لمن يعتقدون بأن البلد تضر بنفسها بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا هو شعور نصف السكان، بحسب بيانات مركز (بيو) للأبحاث".
ويلفت الكاتب إلى أن التوجهات خارج
بريطانيا كانت مشجعة أيضا، حيث كانت هناك ظاهرة عدم رضا عن سياسيي التيار الرئيسي، ففي فرنسا فاز إيمانول ماكرون، من تيار الوسط ومؤيد للاتحاد الأوروبي، بالرغم من أنه كان مغمورا نوعا ما، وصعد للرئاسة تحت راية حزب جديد.
وتنقل الصحيفة عن زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار تيم فارون، قوله في مقابلة خلال حملته الانتخابية في تويكينهام: "ننظر إلى فرنسا وإلى كندا، ونرى أن كل شيء ممكن"، وقال في اليوم السابق للانتخابات: "لا بد أن هناك طريقا أفضل من الأجوبة السهلة المبسطة لليسار القاسي والثابت وضيق حكومة المحافظين.. المجال للديمقراطيين الأحرار كبير".
ويورد بيكر نقلا عن الزعيم السابق للحزب ونائب رئيس الوزراء السابق في حكومة الائتلاف السابقة مع المحافظين نيك كليغ، قوله إن الحزب في مرحلة انتقالية، من حزب في المعارضة الدائمة، قاعدتها في جنوب غرب لندن، إلى حزب يدعو إلى سياسة التعاون الدولية، واقتصاد السوق الحرة.
وقال كليغ: "من الواضح أن الوسط الحر في السياسة البريطانية فارغ تماما الآن"، وأضاف أن الديمقراطيين الليبراليين، في ظل السياسة المتدفقة، "في رحلة خاصة بنا" لملء الفراغ.
ويستدرك الكاتب قائلا إن "كليغ خسر مقعده لمرشح حزب العمال في انتخابات الخميس، وهو مثال واضح لكيف تجمعت الأصوات حول الحزبين الرئيسين".
وينوه بيكر إلى أن "بعض الناخبين في تويكينهام استقبلوا فارون بحماسة، ومنهم بيتر بيرس، وكيل أحذية لشركة إسبانية، الذي رأى الأسعار ترتفع بين ليلة وضحاها بعد التصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي، لكن ليونارد كلارك، الذي كان يعمل مع مصانع الأدوية، قال إن فارون ليس مهما، بل إنه (عديم الفائدة)، ووعد بأن ينتخب المحافظين بزعامة تيريزا ماي، وبعضهم بالكاد سمع عن فارون أصلا، فمثلا قالت كلير دنكلي، وهي ربة بيت، عن فارون: (لا أعرف ما يكفي عنه حاليا)".
وتورد الصحيفة نقلا عن محللين، قولهم إن فشل فارون في الوصول إلى الناس يعود لنقص شخصي، حيث قال الخبير في سلوك التصويت والاستقطاب في جامعة رويال هولوي في لندن أليفر هيث: "بدت الظروف البنيوية ملائمة، فلديك ثغرة وسط كبيرة، حيث هناك 48% من الناخبين صوتوا لصالح البقاء (في الاتحاد الأوروبي)، ولا يبدو أن هناك من يمثلهم.. لكن الحزب (الديمقراطيين الأحرار) لم يتمكن من التعبئة، وجزء من ذلك هو إن كان فارون يملك المكانة والشخصية لجلب الدعم لليبراليين".
وينقل الكاتب عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة كامبريج أندو غامبل، قوله إن فوز ماكرون في فرنسا يدل "على أن الإمكانية موجودة"، وأضاف غامبل: "من الصعب قيادة تمرد في بريطانيا.. لكن لو كان لدى الديمقراطيين الأحرار ماكرون لكان ذلك مثيرا".
ويعلق بيكر قائلا إن "إحدى العقبات كانت الشكوك حول آراء فارون، المسيحي (المتدين)، في المثلية الجنسية وحقوق الإجهاض، وكان محجما في بعض الأحيان عن التفريق بين معتقداته وموضوع التشريعات الحكومية، وقال يوم الأربعاء: (أنا لست مرشحا للبابوية)، وأضاف أن من أصول الليبرالية أن يعيش الجميع (بالطريقة التي يختارونها)".
وتورد الصحيفة نقلا عن الباحث في معهد الدراسات السياسية في باريس كولين هاي، قوله: "من السخرية أن يكون زعيم الديمقراطيين الأحرار متهما بأنه الزعيم غير الليبرالي الوحيد لحزب ليبرالي في أوروبا"، وأضاف هاي بأن فشل فارون في الاستفادة من حالة الاستياء، بالطريقة التي استفاد منها ماكرون، يعود إلى النظام الانتخابي، ففي فرنسا استطاع ماكرون إقناع ملايين الناخبين بالتخلي عن الأحزاب التقليدية، لكن في بريطانيا فإن الطريق للحكم تمر عبر البرلمان، الذي يعتمد على نظام يصل فيه الأول فقط، أما الثاني والثالث فلا تترجم الأصوات التي حصلا عليها إلى مكاسب سياسية للحزب المعني.
وينقل الكاتب عن المدير التنفيذي لمؤسسة "يوغوف" ستيف شكسبير، قوله إن الصعوبات التي واجهها حزب الديمقراطيين الأحرار، حتى في الدوائر التي صوتت ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، تشير إلى التصويت الاستراتيجي الذي لجأ إليه الناخبون.
وأضاف شكسبير أن المنطق يقول إن الراغبين في البقاء في الاتحاد الأوروبي كان يجب عليهم التصويت لصالح حزب الديمقراطيين الأحرار؛ لأنه الوحيد الذي كان يقول يمكن البقاء، لكن الحزب صغير، لدرجة أن التصويت له لن يجعل الناخب يحصل على ما يريد، فاختار الناخبون أن يصوتوا بشكل تكتيكي، فإما أن يكونوا صوتوا لحزب العمال؛ أملا أن يكون الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل ألطف، أو تقبلوا الخروج وصوتوا للمحافظين، الذين جنحوا نحو اليمين، ليحصلوا على أصوات المؤيدين لحزب الاستقلال البريطاني.
ويختم بيكر مقاله بالإشارة إلى قول شكسبير: "أعتقد أننا نتمسك بشكل أساسي بسياسة الحزب الواحد لفترة من الوقت".