لم تكن المعطيات التي كشفها "اتحاد غرف الصناعة والتجارة والبورصات- (TOBB)" التركي، بشأن انخفاض عدد الشركات السورية في
تركيا في العام الحالي مفاجئة، إذ يبدو أن تركيا لم تعد مصنفة على أنها "بيئة آمنة" لأموال السوريين، خاصة المعارضين منهم للنظام السوري، سيما بعد تجديد أنقرة رغبتها بتطبيع علاقاتها مع
دمشق.
وبحسب بيانات الاتحاد، فإن عدد الشركات السورية المسجّلة خلال النصف الأول من عام 2024، انخفض بمقدار 3 مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مبينا أن السوريين أسسوا 37 شركة جديدة، في الفترة ما بين مطلع كانون الثاني/يناير ونهاية حزيران/يونيو 2024، وهو الرقم أقل بثلاث مرات مما كان عليه في الفترة نفسها من عام 2023.
وواصل الاتحاد التركي بأن إجمالي رؤوس أموال الشركات السورية المسجلة في تركيا خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بلغ 43 مليونا و300 ألف ليرة، بعد أن كان الرقم 122 مليونا و950 ألف ليرة في الفترة نفسها من عام 2023.
ما أسباب ذلك؟
وتحولت تركيا إلى بلد جاذب للاستثمارات السورية بعد اندلاع الثورة السورية وهجرة الأموال، حيث أسس السوريون منذ عام 2013، أكثر من 10 آلاف شركة، واحتلوا المرتبة الأولى في عدد الشركات الأجنبية في تركيا، وتوفر هذه الشركات طبقا لأرقام رسمية تركية أكثر من نصف مليون فرصة عمل.
لكن مع تصاعد الخطاب العنصري في الشارع التركي ضد اللاجئين، تراجع زخم الاستثمار السوري في تركيا، وجاء التحول في السياسة الخارجية التركية، المتمثل بالإعلان من أنقرة عن رغبتها بتطبيع علاقاتها مع دمشق، بعد قطيعة طويلة، ليدفع بعدد كبير من أصحاب رؤوس الأموال السورية إلى مغادرة البلاد.
وعن ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي عبد الله سليمان أوغلو؛ إن الاستثمارات تفضل البيئة الآمنة، وتركيا تواجه في الوقت الحالي الكثير من الأزمات مثل الركود والتضخم وارتفاع معدلات الفائدة، ناهيك عن تنامي خطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين.
ويضيف لـ"عربي21"، أن السوريين يعيشون حالة عدم استقرار في تركيا، وخاصة بعد تشديد الإجراءات الحكومية، وحالات الترحيل "القسري"، وهذا ما يفسر الأرقام السابقة، أي تراجع عدد الشركات الحديثة، وإغلاق الشركات القديمة.
وأكد سليمان أوغلو انسحاب عدد كبير من المستثمرين السوريين من السوق التركية، مرجحا أن "يتناقص عدد الشركات بوتيرة أسرع، في حال بقاء الظروف في تركيا على حالها".
وجاءت أحداث العنف والاعتداءات على ممتلكات اللاجئين السوريين في عدد من الولايات التركية، التي اندلعت شرارتها في ولاية قيصري التركية في أواخر حزيران/يونيو الماضي، لتشيع حالة من عدم الاستقرار في أوساط السوريين عموما، وأصحاب رؤوس الأموال منهم على وجه الخصوص.
ووفق وسائل إعلام تركية، اضطر العديد من رجال الأعمال والمستثمرين العرب منذ العام 2023 إلى نقل أعمالهم خارج تركيا، وذلك بسبب التحريض العنصري، ما تسبب ذلك بخسارة أكثر من مليار دولار.
ما مستقبل الاستثمارات السورية في تركيا؟
واستنادا على المعطيات السابقة، يرى عبد الله سليمان أوغلو، أن "الضبابية" تحكم مستقبل الاستثمار السوري في تركيا، معتبرا أن "مستقبل الشركات السورية في تركيا لا يبدو واضحا".
وعلى النسق ذاته، يرى المراقب
الاقتصادي منذر محمد، أن الشركات السورية كانت تعد شريكا أساسيا للاقتصاد التركي، مستدركا بقوله: "لكن الحال تغير في السنوات الأخيرة، منذ الانعطافة التركية نحو النظام السوري في العام 2022، وبعد انتشار الخطاب العنصري والتحريض ضد السوريين".
ويوضح لـ"عربي21"، أن من شأن أحداث العنف والاعتداء على ممتلكات السوريين في تركيا، وزيادة الحديث عن المصالحة بين النظام السوري وتركيا، انخفاض معدلات استثمار السوريين في تركيا.
وكل ذلك سيؤدي بالضرورة وفق محمد، إلى خسارة تركيا المزيد من الاستثمارات السورية، معتبرا أنه "رغم ذلك، فإن بعض الشركات السورية لن تغادر تركيا أبدا، وخاصة المملوكة للسوريين الحاصلين على الجنسية التركية".
وتشكل العمالة السورية بحسب دراسة صادرة عن "مركز الحوار السوري"، نسبة 2.9 في المئة من إجمالي حجم عمالة السوق التركية الرسمية وغير الرسمية، وتتوزع العمالة السورية على قطاعات الورش الصناعية وقطاعات الإنشاءات والشركات والمحلات التجارية، وبعدها الأعمال الحرة والمطاعم والمخابز، وتصليح السيارات، ونقل الفحم وبيعه، والزراعة والإعلام والتعليم وغيرها.